معنى قوله:( عن النبي المقتفى خير البشر ) وذكر أقسام الناس في رسول الله صلى الله عليه وسلم بين غلو وتفريط ووسط حفظ
الشيخ : وقوله " عن النبي المقتفى " " النبي " يقال النبي بدون همز، ويقال النبيء بهمز، فعلى الهمز تكون مشتقة من النبأ، وهو الخبر، لأن النبي مُخبِر مخبَر، مُخبَر من قبل الله، ومخبِر للخلق بما تلقّاه عن الله عزّ وجلّ.
ويقال النبي بالياء، فقيل: إن أصله النبيء لكن سهّلت الهمزة ياء وأدغمت الياء في الياء، وقيل بل أصله النبيوُ بالواو من النبوة وهي الارتفاع فسمّي نبيّا لارتفاع مرتبته.
ونحن نقول: إن اللفظ صالح للوجهين، أي: صالح أن يكون أصله النبيء ولكن سهّل، ولأن يكون أصله من النبوة وهو الارتفاع، لأن النبي رفيع المقام وهو مُخبِر ومُخبَر.
وقوله " المقتفى " يعني الذي يجب اقتفاؤه، ومعنى الاقتفاء أن نكون خلفه نقفو أثره، فالنبي صلى الله عليه وسلم مقتفى، أي: واجب الاقتفاء، يعني: يجب على أمّته أن تقتفي به أي أن تقفو أثره وأن تتبعه.
" خير البشر " البشر هم بنو آدم، وسمّوا بشرا، لأن أبشارهم ظاهرة بادية، والمخلوقات الأخرى أبشارها مستورة، وهذا من رحمة الله عزّ وجلّ، لأن الحيوانات الأخرى لابد أن يسترها شيء يقيها من الحر والبرد، أما بنو آدم فجعل الله تعالى الستر لهم هم الذين يسترون أنفسهم بالثياب التي رزقهم الله عزّ وجلّ، وهذه حكمة عظيمة، من أجل أن يعرف الإنسان أنّه بحاجة إلى ستر عورته المعنوية كما أنه بحاجة إلى ستر عورته الحسية، فيحاول ستر عورته المعنوية كما يستر عورته الحسية.
إذن النبي عليه الصلاة والسلام خير البشر، كل البشر؟
الطالب : نعم.
الشيخ : حتى الأنبياء؟
الطالب : حتى الأنبياء.
الشيخ : حتى الأنبياء والرسل، فإنه صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل، وهذه الخيرية تشمل كل الخيريات، خير البشر في النسب، وخير البشر في الخلق، وخير البشر في العلم، وخير البشر في الهداية، وخير البشر في العبادة، فهي خيرية مطلقة من جميع الوجوه، ومع هذا فإنه ليس له حق في خصائص الربوبية، فليس يعلم الغيب، وليس يملك لنفسه الضرر والنفع، ولا يملك لغيره كذلك، والناس بالنسبة لرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الباب بين طرفين ووسط، بين طرف غالٍ مفرط في المدح والثناء حتى جعلوه بمنزلة الرب، وبين طرف آخر يتنقّص النبي صلى الله عليه وسلم، ويجعله لا فرق بينه وبين البشر في الأمور التي يختصّ بها، وقسم ثالث عرف للنبي صلى الله عليه وسلم حقّه فأنزله منزلته، وقال هو عبد الله ورسوله، وليس له حقّ فيما يختص بالرب عزّ وجلّ، وهو أعلى من البشر فيما خصّ الله به، وهذا هو مذهب أهل الحق.