معنى قوله:( ألم تر اختـلاف أصحاب النظر فيه وحسن ما نـحـاه ذو الأثـر ) بيان اضطراب أقوال أهل الكلام الذين يرجعون في إثبات الصفات أو نفيها إلى العقل. حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
لما ذكر رحمه الله أنه لا يجوز الرد إلى العقول في باب الصفات، وذكر تحريم التأويل، وأنه استطالة وجرأة وافتراء، ذكر دليلا حسيّا ملموسا، فقال: " ألم تر اختـلاف أصحاب النظر *** فيه " يعني: ألم تعلم أن أصحاب النظر، والمراد بأصحاب النظر أصحاب الكلام الذين يرجعون في إثبات الصفات أو نفيها إلى؟
الطالب : العقل.
الشيخ : العقول، هؤلاء اختلفوا واضطربوا اضطرابا كثيرا عظيما، حتى إن بعضهم يوجب ما يرى الآخر أنه مستحيل! شف النقيضان، يقول هذا واجب لله والثاني يقول هذا مستحيل على الله! والآخر يقول هذا جائز، فاضطربوا اضطرابا كثيرا فيما هم عليه، ولا ريب أن اختلاف الأقوال واضطرابها يدل على ضعفها وأنه ليس لها أساس، لأن الأقوال كلما قويت أساساتها تقاربت، ولهذا تجد المسائل المنصوصة في القرآن أو السنة تجد الخلاف فيها قليلا، وأضرب لك مثلا بالمواريث، الخلاف بين العلماء في المواريث قليل بالنسبة للخلاف في غيرها، لماذا؟ لأن غالب أحكامه منصوص عليها، والمنصوص لا يختلف الناس فيه، كذلك أهل الزكاة مثلا، أهل الزكاة الثمانية لا تكاد تجد خلافا بين العلماء إلا قليلا بالنسبة للخلاف في مسائل أخرى، لأن أصحاب الزكاة منصوص عليهم، فكلما كانت الأقوال مؤيّدة بالنصوص كان الخلاف فيها أقل، لأن النص يجمع أطراف الخلاف، أما إذا كانت ليست مبنية على نص ولا على أصل فإنك ترى فيها الخلاف العجيب، لو شئت لقلت إن الخلاف أكثر من أصحابه، الخلاف أكثر من أصحابه، فإذا كانوا عشرة اختلفوا على كم قول؟ على خمسة عشر قولا، كيف الخلاف أكثر من أصحابه يتصوّر ؟! نقول نعم، يكون الواحد له عدّة أقوال، يكون للواحد عدّة أقوال، فإذا كانوا عشرة كل واحد له خمسة أقوال، كم صار الخلاف؟
الطالب : خمسون قولا.
الشيخ : خمسين وجه، خمسين وجها من الخلاف، فأصحاب النظر أصحاب العقول الذين يدعون أنهم أصحاب العقول، وأن غيرهم عامّة وحشوية وبلهاء وما أشبه ذلك، هم أكثر الناس اختلافا في هذا الباب، ومن طالع ما ينقل عنهم لأنا ما نعرف من كتبهم، من طالع ما ينقل عنهم رأى العجب العجاب، حتى إنّك لتكاد أن لا تتصوّر القول من شدّة فساده، تكاد أن لا تتصوّره من شدّة فساده، فإذا كان هذا حال أصحاب النظر فكيف يعتمد على هؤلاء فيما هو أساس الرسالات وهو معرفة الرب عزّ وجلّ وأسمائه وصفاته؟ كيف نعتمد على هذه الأقوال المتناقضة التي لا تنبني على أصل؟ ولهذا جاء المؤلف رحمه الله جاء باختلاف أهل النظر دليلا على فساد أيش؟ أقوالهم، لأن الاختلاف والإضطراب يدلّ على الفساد، قال " ألم تر اختلاف أصحاب النظر *** فيه".