تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " الوجه الثاني : أن يقال : هذا القسيم يتداخل ; فإن العدم والملكة : يدخل في السلب والإيجاب وغايته أنه نوع منه والمتضايفان يدخلان في المتضادين إنما هما نوع منه فإن قال : أعني بالسلب والإيجاب : فلا يدخل في العدم والملكة - وهو أن يسلب عن الشيء ما ليس بقابل له - ولهذا جعل من خواصه أنه لا استحالة لأحد طرفيه . إلى آخره قيل له : عن هذا جوابان : - أحدهما : أن غاية هذا أن السلب ينقسم إلى نوعين : أحدهما : سلب ما يمكن اتصاف الشيء به والثاني : سلب ما لا يمكن اتصافه به . فيقال : الأول إثبات ما يمكن اتصافه ولا يجب والثاني : إثبات ما يجب اتصافه به ; فيكون المراد به سلب ممتنع . وإثبات الواجب . كقولنا زيد حيوان فإن هذا إثبات واجب , وزيد ليس بحجر فإن هذا سلب ممتنع .". حفظ
الشيخ : " والْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يُقَالَ : هَذَا الْقَسِيمُ يَتَدَاخَلُ ، فَإِنَّ الْعَدَمَ وَالْمَلَكَةَ يَدْخُلُ فِي السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ ، والمتضايفان يَدْخُلَانِ فِي الْمُتَضَادَّيْنِ إنَّمَا هُمَا نَوْعٌ مِنْهُ ".
المؤلف أرد أن يحصر الأقسام الأربعة في قسمين ، يريد أن يجعل ما يتقابلان تقابل العدم والملكة داخلان في السلب والإيجاب ... السمع والصمم متقابلان تقابل العدم والملكة لأنهما قد يرتفعان عن ما لا يمكن أن يسمع ويبصر ، قد يقال هذا الجدار ليس سمعياً ولا أصم فهما متقابلان تقابل العدم والملكة .
شيخ الإسلام يقول يمكن أن نجعل ما يتقابلان تقابل العدم والملكة من باب النقيضين الذي هو تقابل السلب والإيجاب ، لأن تقابل السلب والإيجاب يعني الإثبات و النفي بالاتفاق أنه من باب تقابل المتناقضين ، فالشيء إما موجود أو غير موجود ، كذلك الشيء إما سميع وإما أصم ، فالجدار وإن كان لا يصح أن نصفه بأنه أصم أو سميع ، هو في الحقيقة لابد أن يتصف بأحدهما ، فإن أردت بالسمع الذي هو كسمع الإنسان فهذا قد نقول إنه غير ممكن لأنه لا شعور له .
وإن أردت بالسمع الذي هو أعم فإن الله يقول : (( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا )) وهل تحدث بما لا تسمع .؟ الأرض يوم القيامة تشهد على من عمل فيها من خير أو شر قولا أو فعلا ، تشهد به عند الله ، إذن فهي تسمع وتبصر ، تسمع ما يقال عليها وتشهد به ، وتبصر ما يفعل عليها وتشهد به .
فهنا تقابل السمع والصمم تقابل العدم والملكة ومع ذلك صح أن نجعلهما من باب تقابل السلب والإيجاب .
بالنسبة للخلافين ، يقول أيضا الخلافين يمكن أن نجعلهما من باب المتضادين ، ولكنهما نوع منه ، وسبق أن الخلافين هما اللذان يجتمعان ويرتفعان ، لكنها معناهما ليس بواحد ، مثلا قيام الإنسان وكونه أبيض ، فالبياض غير القيام ، يمكن أن يجتمعان ويمكن أن يرتفعان يسمونه الخلافان .
المتضايفان يقولون هما ما لا يعقل أحدهما بدون الآخر، مثل إذا قلت : الصبح قبل المساء ، هذان متضايفان لأنك لما قلت : قبل المساء فهم أنه صبح . وإذا قلت : هذا ولد فلان ، فالولد لا يعقل إلا بإضافة الأب له ، فمجرد إثبات الولد لابد أن يكون له أباً ، وطبعا هذا حسب العادة لا حسب العقل ، وإلا فالله تعالى قد خلق آدم من غير أم و أب وخلق عيسى من غير أب .
يقول : " فَإِنْ قَالَ : أَعْنِي بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ - وَهُوَ أَنْ يُسْلَبَ عَنْ الشَّيْءِ مَا لَيْسَ بِقَابِلِ لَهُ - وَلِهَذَا جُعِلَ مِنْ خَوَاصِّهِ أَنَّهُ لَا اسْتِحَالَةَ لِأَحَدِ طَرَفَيْهِ . إلَى آخِرِهِ . قِيلَ لَهُ : عَنْ هَذَا جَوَابَانِ :
- أَحَدُهُمَا : أَنَّ غَايَةَ هَذَا أَنَّ السَّلْبَ يَنْقَسِمُ إلَى نَوْعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : سَلْبُ مَا يُمْكِنُ اتِّصَافُ الشَّيْءِ بِهِ ، وَالثَّانِي : سَلْبُ مَا لَا يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ بِهِ . فَيُقَالُ : الْأَوَّلُ إثْبَاتُ مَا يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ وَلَا يَجِبُ ، وَالثَّانِي : إثْبَاتُ مَا يَجِبُ اتِّصَافُهُ بِهِ ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ سَلْبٌ مُمْتَنِعٌ وَإِثْبَاتُ الْوَاجِبِ. كَقَوْلِنَا زَيْدٌ حَيَوَانٌ فَإِنَّ هَذَا إثْبَاتٌ وَاجِبٌ ، وَزَيْدٌ لَيْسَ بِحَجَرِ فَإِنَّ هَذَا سَلْبٌ مُمْتَنِعٌ "
.
طيب انتبه للجواب على هذا :
أن يقال : إن غاية هذا أن السلب ـ وش معنى السلب .؟ يعنى النفي ـ ينقسم إلى نوعين :
أحدهما : سلب ما يمكن اتصاف الشيء به ، كما إذا قلنا: زيد ليس بأعمى ، سلبنا عنه العمى وهو يمكن اتصافه به .
والثاني : سلب ما لا يمكن اتصافه به ، مثل أن نقول : الجدار ليس بأعمى ، هذا سلب لكنه سلب لشيء لا يمكن اتصافه به . وهو صحيح هذا السلب أو غير صحيح ، إذا قلنا : الجدار ليس بأعمى .؟ لأنه ليس قابلا له ، الجدار ليس ببصير صحيح أو لا .؟ صحيح ، لأنه ليس بقابل له.
فكما أن السلب يكون فيما يمكن اتصافه به ولا يمكن ، فالأول : إثبات ما يمكنه اتصابه به ولا يجب .
وَالثَّانِي : إثْبَاتُ مَا يَجِبُ اتِّصَافُهُ بِهِ ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ سَلْبٌ مُمْتَنِعٌ وَإِثْبَاتُ الْوَاجِبِ . كَقَوْلِنَا زَيْدٌ حَيَوَانٌ فَإِنَّ هَذَا إثْبَاتٌ وَاجِبٌ .
وقولنا ليس بحجر صحيح ، ولكنه سلب شيء ممتنع ، ليس بحجر ممتنع أن يكون زيد حجراً . ومع ذلك صح سلبه عنه .
كذلك نقول : الجدار ليس بأعمى ، وهو ممتنع أن يكون مبصرا وأعمى ومع ذلك يصح أن نسلبه عنه ... .
الله يعينكم على فهمه ، لأن هذه من أصعب القواعد ... الله يعنيكم على الفهم لأن هذه من أصعب القواعد ... .