سلسلة الهدى والنور-610
الشيخ محمد ناصر الالباني
سلسلة الهدى والنور
تتمة الكلام على تقسيم بعض الدعاة للسنة إلى سنة مألوفة و غير مألوفة و ما يترتب على هذا التقسيم من مصالح ومفاسد ،والكلام عن إحياء السنن .
الشيخ : ... الشاهد هو من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحض في هذا الحديث على إحياء سنة أماتها الناس لسبب أو آخر من هذه الأسباب الغفلة من هذه الأسباب الجهل من هذه الأسباب تكالب الناس على الدنيا، فيقوم مسلم فيحيي سنة ويحيي عبادة من العبادات التي صارت مهملة متروكة ويحييها ويستن الناس به فيها، فيكتب له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء، هذا الحديث صريح الدلالة في هذا المجال وهناك حديث آخر أصرح دلالة ولكن واجبنا العلمي والأمانة العلمية تقتضينا أن نذكر هذا الحديث لصراحته في الدلالة أكثر من السابق مع التنبيه على ضعف إسناده أما نصه فهو : ( من أحيا سنة أميتت من بعدي فله أجرها وأجر من عمل بها ) إلى آخر الحديث، كالحديث السابق تمامًا لكنه صريح الدلالة كما تسمعون ذاك يقول : ( من سن سنة حسنة ) هذا يحتاج إلى شيء من الفقه والعلم فلا جرم أن هذا الحديث الصحيح كان سببًا لسبب أن ران على قلوب كثير من العلماء فضلا عن طلاب العلم فضلا عن عامة الناس أن فهموا من هذا الحديث أن هناك في الإسلام بدعة حسنة، بينما ليس من الحديث الأول الصحيح، بينما ليس في هذا الحديث الصحيح أنه يجوز للمسلم أن يحدث في دين الله بدعة لا أصل لها لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ولا في ما كان عليه سلفنا الصالح رضي الله عنهم، ليس فيه شيء من هذا، ولكن بعض الناس استدلوا به على أن هناك بدعة حسنة، ذلك لأن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال : ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) ففسروا ( من سن ) بمعنى من ابتدع، إذًا يوجد في الإسلام على زعم هؤلاء المتأولين للحديث غير تأويله الصحيح يوجد في الإسلام بدعة حسنة كما أنه يوجد بدعة سيئة، ولذلك ينقمون علينا نحن معشر أتباع السلف إن شاء الله حينما نقول كل بدعة ضلالة، ويا للعجب لو أن قولنا هذا كان صادرًا منا اجتهادًا واقتباسًا واستنباطًا ربما كان لهم وجهًا من العذر، أما وقولنا هذا إنما هو قول نبينا صلوات الله وسلامه عليه الذي كان يكرره بمناسبات شتى مختلفة متنوعة ترسيخًا لهذه القاعدة في أذهان الأمة حتى لا تضل بعده عليه السلام فتشقى، فتفسر هذا الحديث الذي وضع هذه القاعدة الكلية بخلاف دلالتها الصريحة، وقد وقع هذا المحظور مع الأسف الشديد مع حرص الرسول عيه الصلاة والسلام على تكرار هذه الجملة المباركة كل : ( بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) في مناسبات شتى أهمها أنها من خطبة الحاجة، أنها فقرة من خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يعلمها أصحابه وكان يكرر عليه الصلاة والسلام هذه الخطبة بين يدي خطبة الجمعة، وأنتم تسمعون مع الأسف أقول القليل من الخطباء الذين يفتتحون خطبة الجمعة وغير خطبة الجمعة بخطبة الحاجة : ( أما بعد فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه واله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) في كل خطبة جمعة كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكررها ويكرر فيها هذه القاعدة العظيمة الجليلة : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) كذلك كان في مناسبة أخرى أخرى كحديث العرباض ابن سارية الذي يقول رضي الله عنه : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله أوصنا قال : ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبد حبشي وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) إلى هنا ينتهي حديث العرباض بخلاف حديث خطبة الحاجة ففيها تلك الزيادة : ( وكل ضلالة في النار ) إذًا الأمر كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه العظيم حقا اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، قال رادًا على الذين يقسمون البدعة إلى خمسة أقسام قال : هذا لا يمكن لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو كان يريد من هذه الجملة : ( كل بدعة ضلالة ) تخصيصها لكان خصصها يومًا ما، إذ يكرر هذه الجملة على مسامع الناس ثم هو يطلقها هكذا دائما وأبدًا ولا يأتي ولو بإشارة ولو بتلميحة أن هذا من العام المخصوص كما يقول الفقهاء في بعض النصوص، على العكس من ذلك أجراها هكذا مطلقة لكي تبقى هكذا قاعدة مستمرة إلى يوم القيامة.
هذه القاعدة كل بدعة ضلالة تشبه تمامًا قاعدة أخرى لا يمكن أن يدخلها تخصيص ما إطلاقا ألا وهي قوله عليه الصلاة والسلام : ( كل مسكر خمر وكل خمر حرام ) هل يمكن لمسلم أن يقول لا ليس كل مسكر خمر وليس كل خمر حرام كلا ثم كلا، إذًا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كرر هذه الجملة معنى ذلك أنه سد الطريق على من يحاول تأويلها وتخصيصها ببعض التأويلات كما سمعتم في حديث جرير بن عبدالله حيث قال عليه الصلاة والسلام : ( من سن ) ففسروا من سن بمن ابتدع، وأنا قلت ولا أزال أقول أن هذا التفسير لو جاء به أعجمي مثلي أنا ألباني مهما تعلم اللغة العربية فالأمر كما يقال العرق دساس، فلو أن أعجمي مثلي فسر قوله عليه السلام : ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) بما فسره بعض العلماء أي: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، لكان ذلك منه خطأ فاحشًا ولكان فعلا يثبت بذلك أنه أعجمي لما يتعرض بعده، لما؟. لأننا إذا قلنا معنى قوله عليه السلام : ( من سن في الإسلام ) أي من ابتدع قد عرفتم آنفًا من سياق بمناسبة هذا الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا الحديث بمناسبة الحض على الصدقة ولم يكن هناك في المجلس أية بدعة إطلاقًا فإذا قلنا معنى الحديث كما زعموا من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، نسألهم أين البدعة في ذلك المجلس؟. حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم بمناسبتها من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ليس في المجلس إطلاقًا ما يمكن أن يقال أنه بدعة، إذا ما كان في المجلس؟. كانت صدقة بعدها حض الرسول عليه السلام بالآية وببعض أحاديثه على التصدق على هؤلاء الأعراب قام أولهم فجاء بما تيسر ثم تبعه الآخرون فجاؤا بما تيسر لهم فقال عليه الصلاة والسلام : ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) إذًا خطأ فاحش جدًا أن نفسر : ( من سن ) هنا بمعنى من ابتدع، لأن هذا التفسير لا يطابق الواقع ورسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو بحق أفصح من نطق بالضاد.
وأيضًا أعتبرها فرصة فأذكر بأن هذه الجملة : ( أنا أفصح من نطق بالضاد ) حديث باطل رواية ولكن صحيح دراية لأنه هو العربي الصميم الذي أنزل الله على قلبه القرآن بلسان عربي مبين فهو حقًا أفصح من نطق بالضاد، ولكن ما صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكلم بهذا الحديث : ( أنا أفصح من نطق بالضاد ) لكنه حقًا هو أفصح من نطق بالضاد، كيف يليق لأفصح الناس أن يقول لا مناسبة هناك لم تقع في المجلس بدعة فيقول من ابتدع في الإسلام بدعة، هذا كلام ملجوج تفسير مرفوض تمامًا، ثم نقول شيئًا آخر من باب تنبيه إخواننا طلاب العلم والسامعين جميعًا أننا إذا قلنا جدلا أن معنى الحديث كما زعموا وهو باطل يقينا، لكن سنزداد بيانًا لبطلانه لهذا التأويل، فنقول إذا كان معنى حديث من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ومن ابتدع في الإسلام بدعة سيئة، ما هو الميزان وما هو الضابط وما هي القاعدة لمعرفة البدعة الحسنة من البدعة السيئة؟. أهو العقل أم النقل؟. فإن كان قولهم وكان جوابهم إنما هو العقل خرجوا من كونهم كما يقولون من أهل السنة والجماعة، وألحقوا أنفسهم بأهل الإعتزال والضلال الذين يقولون بما يعرف عند العلماء بالتحسين والتقبيح العقليين، المعتزلة من ضلالاتهم التي خالفوا فيها جماهير علماء المسلمين أنهم يقولون بما سمعتم بالتحسين والتقبيح العقليين، معنى هذا يزعمون فيقولون ما حسنه العقل فهو الحسن عند الله وما استقبحه العقل فهو القبيح عند الله سبحانه وتعالى عما يشركون (( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )) ما يحكم عقلهم بأنه حسن فينبغي أن يكون حسنًا وما يحكم عقلهم بأنه قبيح فينبغي أن يكون قبيحًا، لذلك اتفقت المذاهب كلها ليس فقط مذهب أهل السنة على بطلان ما عليه المعتزلة من قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين، لكن الواقع مع الأسف إن كثيرًا من المنتميين إلى أهل السنة والجماعة لسان حالهم يعبر عن أنهم في بواطنهم مع المعتزلة أي أنهم يحسنون ويقبحون بعقولهم وهذا واضح جدًا حينما تناقش أحد الأساتذة أو أحد الدكاترة أو أحد المشايخ المتعصبين المتمذهبين، تقول لهم الشيء الفلاني بدعة، يقول لك يا أخي شو فيها فيها ذكر الله فيها الصلاة على رسول الله، أنتم تنهون عن ذكر الله وعن الصلاة على رسول الله، حكم عقله ما سلم عقله لله ولرسوله كما قال عز وجل : (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )) فهم ردوه إلى عقولهم، هذا اعتزال ضمني هم يتبرؤن من الاعتزال ويضللون المعتزلة وقد يشتط بعضهم فيكفرونهم، مع ذلك فهم يلتقون معهم في كثير من الأحكام الفرعية حينما يحكمون عقولهم.
الآن نحن في هذا الحديث وهو من : ( سن في الإسلام ) إذا سلمنا جدلا أن معنى من سن أي من ابتدع، طيب البدعة على كيفنا وإلا على شرعنا، من الذي يحسن من الذي يقبح؟. هو الشرع، حينئذ سنقول يا أخي إذا ادعيت أن هذا الحادث سنة حسنة فالحسنة إنما تعرف بالنص الشرعي فنقول هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، ولن يجدوا مطلقًا دليلا على استحسان بدعة ليس لها أصل في السنة، بعد هذا التعليق لبيان أن هذا الحديث لا يمكن الاستدلال به على ما يناقض القاعدة السابقة : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) إنما المقصود بالحديث كما ذكرت آنفًا هو حض المسلمين على إحياء عبادات وسنن سواء كانت مستحبة أو كانت مؤكدة فضلا عما إذا كانت من الفرائض، ففي هذا الحديث حض بالغ على إحياء ما أهمله الناس وما تركوه بسبب من الأسباب التي سبقت الإشارة إليها وغيرها، لماذا؟. ليكون له أجرها وأجر من اتبعه على هذا الإحياء إلى يوم القيامة.
ذكرت الحديث الآخر وكما قلت لأرمي به عصفورين بحجر واحد أولا أنه صريح في تفسير المراد من هذا الحديث الصحيح: (من أحيا سنة أميتت من بعدي فله أجرها ) إلى آخره، وثانيًا لأذكركم أنكم إن رأيتم مثل هذا الحديث في بعض الكتب وسترونه ولا شك لأنه في أحد الكتب الستة وهو بالذات سنن الترمذي، فهذا الحديث رواه الترمذي لكن في اسناده رجل اسمه كثير ابن عبد الله ابن عمر ابن عوف المزني وهو رجل متهم بالكذب فروى الحديث ربما رواه بالمعنى الذي تبادر له انطلاقًا من الحديث الصحيح فقال: (من أحيا سنة أميتت من بعدي ) لكن هذا المعنى الصريح هنا في هذا الحديث الضعيف السند قد جاء في الحديث الصحيح ما يغنينا عنه، وهذا من حججنا على هذا التفسير أو على هذا التقسيم المبتدع للسنة، سنة مألوفة وسنة غير مألوفة، أنا لأول مرة أسمع، عندك علم بهذا التقسيم؟.
السائل : علم جديد .
الشيخ : الله أكبر الحديث الذي أشير إليه الآن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا فطوبى للغرباء قالوا: يا رسول الله من هم؟. قال : هم الذين يحيون ما أفسد الناس أو يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي ) إذًا في هذا الحديث حض للمسلمين أن يكونوا من الغرباء ومن صفة هؤلاء الغرباء أنهم يصلحون ما أفسد الناس من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
السائل : ذكرت ذكرتني هذه الجملة أو هذه العبارة موجودة وسمعناها من بعضهم ولكن بلفظ آخر وهو.
الشيخ : وهو.؟
السائل : بدعة معروفة خير من سنة مجهولة.
الشيخ : أي نعم هذا صحيح.
السائل : أي نعم.
الشيخ : مع الأسف إذا كان لهم سلف.
السائل : أي نعم.
الشيخ : لكن له من الخلف.
السائل : أي نعم فتذكرت الآن.
الشيخ : سنة مألوفة وسنة غير مألوفة فإذًا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حض المسلمين في الحديث الأول الصحيح أن يحيوا السنة حتى يكتب لهم أجرها وأجر من عمل بها كذلك حض المسلمين هنا المسلمين بعامة أن يكونوا من الغرباء ومن صفة هؤلاء الغرباء أنهم يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي، إلى هنا ينتهي جوابي فيما يحضرني الآن عن هذا التقسيم الذي لا أصل له ولكننا نعم.
السائل : هنا انتهى الجواب.
الشيخ : لكن ما معنى انتهى كلامي.؟
السائل : نعم.
الشيخ : مما لا إشكال فيه أننا لو انطلقنا من هذا التقسيم البدعي فلا شك أن الأمر سيستمر إلى إلى سفول وإلى انهيار حتى تموت السنن كلها وتحيا البدع وتقوم مقامها، ولا يوجد عالم في الدنيا أبدًا حتى لو كان من الخلف يمكن أن يقول بمثل هذا القول تقسيم السنة إلى هذين القسمين، التقسيم هذا المبتدع المخالف لتلك الأصول الصريحة التي تحض المسلمين جميعًا وتحض الغرباء الذي لهم طوبى وحسن مئاب، طوبى كما قال عليه السلام في الحديث الصحيح : ( شجرة في الجنة يمشي الراكب المسرع تحت ظلها مائة عام لا يقطعها ) هذه الشجرة لمن لهؤلاء الغرباء ما صفة هؤلاء الغرباء : ( يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي ) فإذًا ليس هذا التقسيم فقط هو بدعة مخالفة لعموم قوله عليه السلام : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) بل وهذه بدعة أو هذا التقسيم بدعة مخالف لكل أقوال علماء المسلمين حينما قالوا كل بدعة تخالف السنة فهي بدعة ضلالة وإن كانوا يقولون أن هناك بدعة حسنة، لأنهم قالوا بالبدعة الحسنة بشرط أن لا تخالف سنة، فكيف وقد خالفوا سنن كثيرة ههنا، فلو أن الإنسان تفرغ لتتبع النصوص لوجد أشياء وأشياء كثيرة وكثيرة جدًا، وإلى هنا ينتهي الكلام جوابًا عن ذاك السؤال.
السائل : يبقى فتوى في آخر السؤال شيخ ظهرت عنكم.
الشيخ : تفضل.
السائل : وهي مراعاة المصلحة والمفسدة، وما هو ضابط المراعاة.؟
الشيخ : لا شك أنه هذه القاعدة كقاعدة علمية لا إشكال إطلاقًا في صحتنا أي دفع المفسدة قبل جلب المصلحة، " دفع المفسدة قبل جلب المصلحة " هذه قاعدة لا إشكال فيها، ولكن أنا ألاحظ على بعض المعاصرين اليوم الذين يجعلون هذه القاعدة تكأة لهم وعماد لهم في حض الناس على عدم الاهتمام بالسنن المنسية المهملة المتروكة بزعم دفع المفسدة، يا عجبا بديل أن ينصحوا جماهير الناس وأن يقولوا لهم أيها الناس إذا سمعتم من بعض الناس سنة وجاوءكم بحديث عن رسول الله تأييد لهذه السنة سواء كانت من قوله صلى الله عليه وسلم أو من فعله فحذاري أن يتسرع أحدكم ويبادر بالإنكار على هؤلاء الذين يأتون بهذه السنة لأن : ( لهم أجرها وأجر من عمل بها ) إلى آخر الحديث، بديل أن ينصحوا المخالفين للسنة والمحاربين لها يعودون بالنصيحة على هؤلاء الذين يحييون السنة بدعوى دفع المفسدة قبل جلب المصلحة، سبحان الله هلا قلتم هذا الكلام لأولئك الذين يفسدون في الأرض ويفسدون السنة ولا يصلحون، هؤلاء أولى بأن توجه إليهم هذه النصيحة وليس إلى أنصار السنة واتباع السنة ومحيي السنة.
أما الضابط لهذه القاعدة المسلمة فهي مثلا إذا كان يترتب من وراء العمل بسنة، الآن نقول حقيقة عندنا ناس لا علم لهم مطلقًا بالسنة لا علم عندهم مطلقا بالسنة وترتب من وراء إحياء هذه السنة هكذا فجأة وطفرة واحدة، نضربها كما يقولون عندنا في الشام: اللاوية، ترتب من ورائها سفك الدماء لا شك أن هذه مفسدة لا تساوي مصلحة العمل بهذه السنة، لأن هذه السنة تحتاج إلى توطئة وإلى تمهيد رويدًا رويدًا حتى قبل كل شيء يسمع الناس أنه هناك سنة، مثلا نضرب مثلا رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، هذا في بلاد الأعاجم في كثير منها كبلاد الأتراك والألبان واليوغسلاف لا يعرفون رفع اليدين إلا عند تكبيرة الإحرام، فإذا فجأهم رجل برفع اليدين عند الركوع لا شك أنه ستقع مفسدة، ولكن عليه أن يمهد لإحياء هذه السنة بإحياء العلم بالسنة بتذكيرهم بالأحاديث الواردة في حض المسلمين على التمسك بالسنة والتحذير من البدعة، والآثار الواردة عن السلف الصالح ويمضي على ذلك أيامًا حتى يرى بأن الناس قد تهيئوا لقبول سنة من السنن المتروكة والمهجورة فهذا هو الضابط تقريبًا والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما دخل مكة فاتحًا منصورًا مأجورًا ودخل وصلى ركعتين في جوف الكعبة شكرا لله عز وجل على هذا الفتح الكبير وخرج، أرادت زوجه عائشة رضي الله تعالى عنها أن تفعل فعل نبيها وأن تصلي ركعتين في جوف الكعبة، وأنتم تعلمون مع الأسف حتى الآن باب الكعبة هو على الوضع الذي كان زمن في الجاهلية مرتفع لا يمكن الصعود إلى جوف الكعبة إلا بسلم، وهذا السلم مع الأسفلا يوضع لا أقول لخاصة الناس ربما يصح أن نقول لبعض أكابر مجرميها.
السائل : لخاصة أكابر مجرميها.
الشيخ : لخاصة أكابر مجرميها، هكذا كان الأمر في عهد الرسول عليه السلام فقال لها تيسيرًا لها في الاقتداء منها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( صلي في الحجر ) كلكم يعلم الحجر المسور بهذا القوس من الجدار فإنه من الكعبة ( ولولا أن قومك ) هنا الشاهد ( لولا أن قومك حديث عهد بالشرك لهدمت الكعبة ولبنيتها على أساس إبراهيم عليه السلام ولجعلت لها بابين مع الأرض ) مع الأرض مش سلم كأي مسجد تدخل من هذا الباب تخرج من هذا الباب، هذا هو الذي بني على اليسر ( ولجعلت لها بابين مع الأرض بابًا يدخلون منه وبابًا يخرجون منه ) ما فعل الرسول عليه السلام؟. ذلك وإلى اليوم مع الأسف لم يقم هذا الإصلاح كأن المسلمين تمسكوا بتركه عليه السلام لهذا الإصلاح، وهنا لا بد لي من تقسيم ليس كذاك التقسيم أنه تقسيم علمي دقيق السنة تنقسم إلى قسمين ذكرني بهذا التقسيم؟. هو هذا الحديث السنة تنقسم إلى قسمين سنة فعلية وسنة تَركية، وإياكم إذا قرأتم هذا التقسيم في بعض الكتب الغير مشكلة ومضبوطة تقرؤها سنة فعلية وسنة تُركية، لا، سنة فعلية وسنة تَركية، أي شو اللي فعل الرسول؟. فالأمر بحقنا أن نقتدي به عليه السلام، وسنة تَركية أي تركها الرسول عليه السلام ولم يفعلها، فالسنة في حقنا تركها، هذا التقسيم ليس كذاك التقسيم، هذا إنه لحق مثل أنكم تنطقون، والمثال؟. الأمثلة الكثيرة جدًا، ولجهل جماهير الخلف بهذا التقسيم العادل الصحيح وقعوا في الابتداع في الدين بالعشرات المئات الألوف من البدع، وهم مع الأسف يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، كلنا يعلم إن من السنة الآذان للصلوات الخمس بل أقول هذا من الواجب، لكن هناك خلاف بين الفقهاء هل الآذان سنة أم واجب؟. منهم ومنهم وفيهم من قال أنه شعيرة من شعائر الإسلام وأنه لا يجوز إهماله ولا بد من القيام به، وتوسط بين القوم بأنه سنة مؤكدة، وبين أنه واجب، فهب أن الآذان للصلوات الخمس من السنة لكن هناك صلوات أخرى فهل يشرع لها الآذان مثلا صلاة الاستسقاء صلاة العيدين صلاة الكسوف والخسوف؟. لا يشرع لهذه الصلوات الآذان، ما هو الحجة ؟.كثير من جهل بتلك القاعدة العظيمة كل بدعة ضلالة، إذا قلت له يا أخي هذه بدعة ما فعلها الرسول ما فعلها الصحابة، يقول لك يا أخي في عندك نهي عنها؟. يريد نهيًا خاصًا عن هذه المحدثة نقول نحن أولا ليس من الضروري أن يكون هناك نهي عن كل جزئية وأن يكون هناك أمر بكل جزئية، هناك قواعد عامة وقاعدتنا هناك كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، فإذًا هناك نهي لكن فهمه من فهمه، وعلمها من علمها وجهلها من جهلها.
الخلاصة أن هذه الصلوات التي ذكرناها أخيرًا من غير الصلوات الخمس لماذا لا نؤذن لها؟. لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يؤذن لها، إذًا ما تركه الرسول فسنة بحقنا أن نتركه، ما فعله الرسول فسنة بحقنا أن نفعله، الآن نعود إلى قصة الكعبة قال عليه السلام : ( ولولا أن قومك حديث عهد بالشرك لهدمت الكعبة ) إلى أخره مع الأسف الشديد استمرت الكعبة على ما تركه الرسول عليه السلام أو تركها عليهم كأنهم طبقوا هذه القاعدة أن الرسول ترك هذا فإذًا نحن نتركها، لكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنظروا الآن معي الفقه ودقة الفقه للنصوص، الرسول صلى الله عليه وسلم لماذا ترك؟. ترك لعلة كانت يومئذ قال : ( لولا أن قومك حديث عهد بالشرك ) طيب يا أخي بعد مئة سنة ومائتين سنة الحمد لله الإسلام انتشر ولم يبقى هناك قوم بل أقوام هم حديثوا عهد بالشرك، إذًا كان من الواجب على بعض الولاة والحكام المسلمين أن يقوموا باصلاح ما أفسده المشركون وتركه الرسول عليه السلام لعلة وهذه العلة زالت ومن القواعد الأصولية أن الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا، فإذا زالت العلة زال المعلول، إذًا زال المشركون وطهر الله عز وجل الجزيرة العربية من الشرك وأهله، فكان ينبغي على بعض حكام المسلمين أن يعيدوا الكعبة إلى أساس إبراهيم عليه السلام كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد شاء الله عز وجل بحكمته أن يقوم أحد المصلحين من الصحابة وأبناء الصحابة يوم قدر له أن يكون حاكمًا في الحجاز ألا وهو عبدالله ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما، تعلمون مع الأسف الخلاف الذي نشب بين الأمويين وبين عبدالله ابن الزبير من حيث أنه بويع عبد لله ابن الزبير بالخلافة في الحجاز وكانت الخلافة يومئذ انتقلت إلى معاوية ثم إلى بعض أولاده وبني أمية، عبدالله ابن الزبير كما تعلمون جميعًا أمه أسماء وأسماء هي أخت عائشة وكلتاهما ابنتما أبي بكر الصديق فإذًا عائشة هي خالة عبدالله بن الزبير عائشة هي صاحبة القصة التي سمعتموها آنفًا : ( ولولا أن قومك حديثي عهد بالشرك ) إلى آخره، فأهتبلها فرصة عبدالله بن الزبير وأعاد الكعبة على أساس إبراهيم عليه السلام لكن لحكمة يريدها الله ويعلمها الله، قتل عبدالله ابن الزبير وصلب مع الأسف هناك في مكة، واستتب الأمر للأمويين وكان يومئذ الخليفة هو فيما أذكر عبد الملك ابن مروان، ومن مصائب الدنيا ومفاتنها ومفاتن الولايات والكراسي أن هذا الرجل عبد الملك بن مروان كان من علماء المسلمين قبل أن يتولى الخلافة، فلما تولى الخلافة انقلب شخص آخر، ومن ذلك أنه حينما قتل عبد الله ابن الزبير واستتب الأمر لعبد الملك، أمر بإعادة بناء الكعبة إلى ما كانت عليه في عهد الجاهلية وذات يوم وهو في عرشه في ملكه جاءت قصة عبدالله ابن الزبير وتجهيزه لبناء الكعبة على أساس إبراهيم عليه السلام كأنه ينقم عليه، فأحد أهل العلم ممن لا تأخذهم بالله لومة لائم قال : يا أمير المؤمنين إنني سمعت عبدالله ابن الزبير يقول حدثتني عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر هذا الحديث، قال عبد الملك بن مروان آسفا كما يقولون بعد خراب البصرة، لا خراب الكعبة أهم من خراب البصرة قال : " لو أنني كنت على علم بهذا الحديث لتركت الكعبة على بناء عبد الله ابن الزبير " فأنا أقول مع الأسف الشديد بعد أن أعاد عبد الملك إلى عهدها في الجاهلية لم يقم هناك حاكم مسلم ليعيد الكعبة على أساس إبراهيم عليه السلام ويبطل هذه العادة التي يخصص بها بعض الناس ممن لا يستحقون أن يدخلوا المسجد الحرام ربما فضلا عن أن يدخلوا في جوف الكعبة أن يجعلوا للكعبة بابين بعد أن يوسعوا دائرتها، ويدخل الناس من باب ويصلي فيها من شاء ويخرج من باب ثان، هذا أصل من أصول نستطيع أن نقول تنظيم السير خاصة في مثل هذه الأماكن المزدحمة، لكن مع الأسف أكثر الحكام هم مقلدون ولا يحرصون على إحياء السنن وإماتة البدع، وأنا أعتقد أن الأمر في هذا الزمان هو أيسر هو أحسن زمن ممكن أن يقوم به فيه حاكم مسلم بالإصلاح، لماذا؟. لأن التمهيد الآن بواسطة الدعايات والإذاعات والتلفاز وغير التلفاز إلى آخره ممكن غزو العالم الإسلامي بالأفكار الصحيحة وتهيئته لإصلاح جديد لا يفاجأ به العالم هيك مفاجاة فتقوم ثورة، هذا ممكن جدًا وميسر لو كان هناك من يهتم بالإصلاح.
الخلاصة أن السنة التي تركها الرسول صلى الله عليه وسلم نحن علينا أن نتركها لأننا لسنا أفقه منه ولا أعبد منه وكذلك أصحابه عليه السلام والسلف الصالح الذين قال فيهم الرسول عليه السلام : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) لعلي أجبت الآن عن الفقرة الأخيرة من السؤال.
السائل : جزاكم الله خير.
الشيخ : وإياكم، تمشي بدنا نسمع منك فائدة جزاك الله خير.
ابو مالك : من ركب البحر استقل السواقي.
الشيخ : بارك الله فيك البحر هنا البحر هنا ولو كلمة بارك الله فيك.
ابو مالك : بعد هذا العلم الذي أصبتم فيه جزاكم الله خيرا.
الشيخ : أفيضوا علينا بكلمة.
ابو مالك : نعم كيف.
الشيخ : توكل على الله.
ابو مالك : والله يا شيخ يعني.
الشيخ : افتتح بخطبة الحاجة حتى ينفتح أمامك العلم.
ابو مالك : العلم غاب يعني.
الشيخ : ما أدري إذا كان عندك وقت ما نريد أن نحرج عليك الناس كما تراهم مستعدون، ولو يعني أخذنا شيء من وقتك ومن راحتك في سبيل الله: إن أنت إلا اصبع دويت وفي سبيل الله ما لقيت.
هذه القاعدة كل بدعة ضلالة تشبه تمامًا قاعدة أخرى لا يمكن أن يدخلها تخصيص ما إطلاقا ألا وهي قوله عليه الصلاة والسلام : ( كل مسكر خمر وكل خمر حرام ) هل يمكن لمسلم أن يقول لا ليس كل مسكر خمر وليس كل خمر حرام كلا ثم كلا، إذًا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كرر هذه الجملة معنى ذلك أنه سد الطريق على من يحاول تأويلها وتخصيصها ببعض التأويلات كما سمعتم في حديث جرير بن عبدالله حيث قال عليه الصلاة والسلام : ( من سن ) ففسروا من سن بمن ابتدع، وأنا قلت ولا أزال أقول أن هذا التفسير لو جاء به أعجمي مثلي أنا ألباني مهما تعلم اللغة العربية فالأمر كما يقال العرق دساس، فلو أن أعجمي مثلي فسر قوله عليه السلام : ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) بما فسره بعض العلماء أي: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، لكان ذلك منه خطأ فاحشًا ولكان فعلا يثبت بذلك أنه أعجمي لما يتعرض بعده، لما؟. لأننا إذا قلنا معنى قوله عليه السلام : ( من سن في الإسلام ) أي من ابتدع قد عرفتم آنفًا من سياق بمناسبة هذا الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا الحديث بمناسبة الحض على الصدقة ولم يكن هناك في المجلس أية بدعة إطلاقًا فإذا قلنا معنى الحديث كما زعموا من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، نسألهم أين البدعة في ذلك المجلس؟. حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم بمناسبتها من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ليس في المجلس إطلاقًا ما يمكن أن يقال أنه بدعة، إذا ما كان في المجلس؟. كانت صدقة بعدها حض الرسول عليه السلام بالآية وببعض أحاديثه على التصدق على هؤلاء الأعراب قام أولهم فجاء بما تيسر ثم تبعه الآخرون فجاؤا بما تيسر لهم فقال عليه الصلاة والسلام : ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) إذًا خطأ فاحش جدًا أن نفسر : ( من سن ) هنا بمعنى من ابتدع، لأن هذا التفسير لا يطابق الواقع ورسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو بحق أفصح من نطق بالضاد.
وأيضًا أعتبرها فرصة فأذكر بأن هذه الجملة : ( أنا أفصح من نطق بالضاد ) حديث باطل رواية ولكن صحيح دراية لأنه هو العربي الصميم الذي أنزل الله على قلبه القرآن بلسان عربي مبين فهو حقًا أفصح من نطق بالضاد، ولكن ما صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكلم بهذا الحديث : ( أنا أفصح من نطق بالضاد ) لكنه حقًا هو أفصح من نطق بالضاد، كيف يليق لأفصح الناس أن يقول لا مناسبة هناك لم تقع في المجلس بدعة فيقول من ابتدع في الإسلام بدعة، هذا كلام ملجوج تفسير مرفوض تمامًا، ثم نقول شيئًا آخر من باب تنبيه إخواننا طلاب العلم والسامعين جميعًا أننا إذا قلنا جدلا أن معنى الحديث كما زعموا وهو باطل يقينا، لكن سنزداد بيانًا لبطلانه لهذا التأويل، فنقول إذا كان معنى حديث من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ومن ابتدع في الإسلام بدعة سيئة، ما هو الميزان وما هو الضابط وما هي القاعدة لمعرفة البدعة الحسنة من البدعة السيئة؟. أهو العقل أم النقل؟. فإن كان قولهم وكان جوابهم إنما هو العقل خرجوا من كونهم كما يقولون من أهل السنة والجماعة، وألحقوا أنفسهم بأهل الإعتزال والضلال الذين يقولون بما يعرف عند العلماء بالتحسين والتقبيح العقليين، المعتزلة من ضلالاتهم التي خالفوا فيها جماهير علماء المسلمين أنهم يقولون بما سمعتم بالتحسين والتقبيح العقليين، معنى هذا يزعمون فيقولون ما حسنه العقل فهو الحسن عند الله وما استقبحه العقل فهو القبيح عند الله سبحانه وتعالى عما يشركون (( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )) ما يحكم عقلهم بأنه حسن فينبغي أن يكون حسنًا وما يحكم عقلهم بأنه قبيح فينبغي أن يكون قبيحًا، لذلك اتفقت المذاهب كلها ليس فقط مذهب أهل السنة على بطلان ما عليه المعتزلة من قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين، لكن الواقع مع الأسف إن كثيرًا من المنتميين إلى أهل السنة والجماعة لسان حالهم يعبر عن أنهم في بواطنهم مع المعتزلة أي أنهم يحسنون ويقبحون بعقولهم وهذا واضح جدًا حينما تناقش أحد الأساتذة أو أحد الدكاترة أو أحد المشايخ المتعصبين المتمذهبين، تقول لهم الشيء الفلاني بدعة، يقول لك يا أخي شو فيها فيها ذكر الله فيها الصلاة على رسول الله، أنتم تنهون عن ذكر الله وعن الصلاة على رسول الله، حكم عقله ما سلم عقله لله ولرسوله كما قال عز وجل : (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )) فهم ردوه إلى عقولهم، هذا اعتزال ضمني هم يتبرؤن من الاعتزال ويضللون المعتزلة وقد يشتط بعضهم فيكفرونهم، مع ذلك فهم يلتقون معهم في كثير من الأحكام الفرعية حينما يحكمون عقولهم.
الآن نحن في هذا الحديث وهو من : ( سن في الإسلام ) إذا سلمنا جدلا أن معنى من سن أي من ابتدع، طيب البدعة على كيفنا وإلا على شرعنا، من الذي يحسن من الذي يقبح؟. هو الشرع، حينئذ سنقول يا أخي إذا ادعيت أن هذا الحادث سنة حسنة فالحسنة إنما تعرف بالنص الشرعي فنقول هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، ولن يجدوا مطلقًا دليلا على استحسان بدعة ليس لها أصل في السنة، بعد هذا التعليق لبيان أن هذا الحديث لا يمكن الاستدلال به على ما يناقض القاعدة السابقة : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) إنما المقصود بالحديث كما ذكرت آنفًا هو حض المسلمين على إحياء عبادات وسنن سواء كانت مستحبة أو كانت مؤكدة فضلا عما إذا كانت من الفرائض، ففي هذا الحديث حض بالغ على إحياء ما أهمله الناس وما تركوه بسبب من الأسباب التي سبقت الإشارة إليها وغيرها، لماذا؟. ليكون له أجرها وأجر من اتبعه على هذا الإحياء إلى يوم القيامة.
ذكرت الحديث الآخر وكما قلت لأرمي به عصفورين بحجر واحد أولا أنه صريح في تفسير المراد من هذا الحديث الصحيح: (من أحيا سنة أميتت من بعدي فله أجرها ) إلى آخره، وثانيًا لأذكركم أنكم إن رأيتم مثل هذا الحديث في بعض الكتب وسترونه ولا شك لأنه في أحد الكتب الستة وهو بالذات سنن الترمذي، فهذا الحديث رواه الترمذي لكن في اسناده رجل اسمه كثير ابن عبد الله ابن عمر ابن عوف المزني وهو رجل متهم بالكذب فروى الحديث ربما رواه بالمعنى الذي تبادر له انطلاقًا من الحديث الصحيح فقال: (من أحيا سنة أميتت من بعدي ) لكن هذا المعنى الصريح هنا في هذا الحديث الضعيف السند قد جاء في الحديث الصحيح ما يغنينا عنه، وهذا من حججنا على هذا التفسير أو على هذا التقسيم المبتدع للسنة، سنة مألوفة وسنة غير مألوفة، أنا لأول مرة أسمع، عندك علم بهذا التقسيم؟.
السائل : علم جديد .
الشيخ : الله أكبر الحديث الذي أشير إليه الآن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا فطوبى للغرباء قالوا: يا رسول الله من هم؟. قال : هم الذين يحيون ما أفسد الناس أو يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي ) إذًا في هذا الحديث حض للمسلمين أن يكونوا من الغرباء ومن صفة هؤلاء الغرباء أنهم يصلحون ما أفسد الناس من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
السائل : ذكرت ذكرتني هذه الجملة أو هذه العبارة موجودة وسمعناها من بعضهم ولكن بلفظ آخر وهو.
الشيخ : وهو.؟
السائل : بدعة معروفة خير من سنة مجهولة.
الشيخ : أي نعم هذا صحيح.
السائل : أي نعم.
الشيخ : مع الأسف إذا كان لهم سلف.
السائل : أي نعم.
الشيخ : لكن له من الخلف.
السائل : أي نعم فتذكرت الآن.
الشيخ : سنة مألوفة وسنة غير مألوفة فإذًا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حض المسلمين في الحديث الأول الصحيح أن يحيوا السنة حتى يكتب لهم أجرها وأجر من عمل بها كذلك حض المسلمين هنا المسلمين بعامة أن يكونوا من الغرباء ومن صفة هؤلاء الغرباء أنهم يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي، إلى هنا ينتهي جوابي فيما يحضرني الآن عن هذا التقسيم الذي لا أصل له ولكننا نعم.
السائل : هنا انتهى الجواب.
الشيخ : لكن ما معنى انتهى كلامي.؟
السائل : نعم.
الشيخ : مما لا إشكال فيه أننا لو انطلقنا من هذا التقسيم البدعي فلا شك أن الأمر سيستمر إلى إلى سفول وإلى انهيار حتى تموت السنن كلها وتحيا البدع وتقوم مقامها، ولا يوجد عالم في الدنيا أبدًا حتى لو كان من الخلف يمكن أن يقول بمثل هذا القول تقسيم السنة إلى هذين القسمين، التقسيم هذا المبتدع المخالف لتلك الأصول الصريحة التي تحض المسلمين جميعًا وتحض الغرباء الذي لهم طوبى وحسن مئاب، طوبى كما قال عليه السلام في الحديث الصحيح : ( شجرة في الجنة يمشي الراكب المسرع تحت ظلها مائة عام لا يقطعها ) هذه الشجرة لمن لهؤلاء الغرباء ما صفة هؤلاء الغرباء : ( يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي ) فإذًا ليس هذا التقسيم فقط هو بدعة مخالفة لعموم قوله عليه السلام : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) بل وهذه بدعة أو هذا التقسيم بدعة مخالف لكل أقوال علماء المسلمين حينما قالوا كل بدعة تخالف السنة فهي بدعة ضلالة وإن كانوا يقولون أن هناك بدعة حسنة، لأنهم قالوا بالبدعة الحسنة بشرط أن لا تخالف سنة، فكيف وقد خالفوا سنن كثيرة ههنا، فلو أن الإنسان تفرغ لتتبع النصوص لوجد أشياء وأشياء كثيرة وكثيرة جدًا، وإلى هنا ينتهي الكلام جوابًا عن ذاك السؤال.
السائل : يبقى فتوى في آخر السؤال شيخ ظهرت عنكم.
الشيخ : تفضل.
السائل : وهي مراعاة المصلحة والمفسدة، وما هو ضابط المراعاة.؟
الشيخ : لا شك أنه هذه القاعدة كقاعدة علمية لا إشكال إطلاقًا في صحتنا أي دفع المفسدة قبل جلب المصلحة، " دفع المفسدة قبل جلب المصلحة " هذه قاعدة لا إشكال فيها، ولكن أنا ألاحظ على بعض المعاصرين اليوم الذين يجعلون هذه القاعدة تكأة لهم وعماد لهم في حض الناس على عدم الاهتمام بالسنن المنسية المهملة المتروكة بزعم دفع المفسدة، يا عجبا بديل أن ينصحوا جماهير الناس وأن يقولوا لهم أيها الناس إذا سمعتم من بعض الناس سنة وجاوءكم بحديث عن رسول الله تأييد لهذه السنة سواء كانت من قوله صلى الله عليه وسلم أو من فعله فحذاري أن يتسرع أحدكم ويبادر بالإنكار على هؤلاء الذين يأتون بهذه السنة لأن : ( لهم أجرها وأجر من عمل بها ) إلى آخر الحديث، بديل أن ينصحوا المخالفين للسنة والمحاربين لها يعودون بالنصيحة على هؤلاء الذين يحييون السنة بدعوى دفع المفسدة قبل جلب المصلحة، سبحان الله هلا قلتم هذا الكلام لأولئك الذين يفسدون في الأرض ويفسدون السنة ولا يصلحون، هؤلاء أولى بأن توجه إليهم هذه النصيحة وليس إلى أنصار السنة واتباع السنة ومحيي السنة.
أما الضابط لهذه القاعدة المسلمة فهي مثلا إذا كان يترتب من وراء العمل بسنة، الآن نقول حقيقة عندنا ناس لا علم لهم مطلقًا بالسنة لا علم عندهم مطلقا بالسنة وترتب من وراء إحياء هذه السنة هكذا فجأة وطفرة واحدة، نضربها كما يقولون عندنا في الشام: اللاوية، ترتب من ورائها سفك الدماء لا شك أن هذه مفسدة لا تساوي مصلحة العمل بهذه السنة، لأن هذه السنة تحتاج إلى توطئة وإلى تمهيد رويدًا رويدًا حتى قبل كل شيء يسمع الناس أنه هناك سنة، مثلا نضرب مثلا رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، هذا في بلاد الأعاجم في كثير منها كبلاد الأتراك والألبان واليوغسلاف لا يعرفون رفع اليدين إلا عند تكبيرة الإحرام، فإذا فجأهم رجل برفع اليدين عند الركوع لا شك أنه ستقع مفسدة، ولكن عليه أن يمهد لإحياء هذه السنة بإحياء العلم بالسنة بتذكيرهم بالأحاديث الواردة في حض المسلمين على التمسك بالسنة والتحذير من البدعة، والآثار الواردة عن السلف الصالح ويمضي على ذلك أيامًا حتى يرى بأن الناس قد تهيئوا لقبول سنة من السنن المتروكة والمهجورة فهذا هو الضابط تقريبًا والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما دخل مكة فاتحًا منصورًا مأجورًا ودخل وصلى ركعتين في جوف الكعبة شكرا لله عز وجل على هذا الفتح الكبير وخرج، أرادت زوجه عائشة رضي الله تعالى عنها أن تفعل فعل نبيها وأن تصلي ركعتين في جوف الكعبة، وأنتم تعلمون مع الأسف حتى الآن باب الكعبة هو على الوضع الذي كان زمن في الجاهلية مرتفع لا يمكن الصعود إلى جوف الكعبة إلا بسلم، وهذا السلم مع الأسفلا يوضع لا أقول لخاصة الناس ربما يصح أن نقول لبعض أكابر مجرميها.
السائل : لخاصة أكابر مجرميها.
الشيخ : لخاصة أكابر مجرميها، هكذا كان الأمر في عهد الرسول عليه السلام فقال لها تيسيرًا لها في الاقتداء منها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( صلي في الحجر ) كلكم يعلم الحجر المسور بهذا القوس من الجدار فإنه من الكعبة ( ولولا أن قومك ) هنا الشاهد ( لولا أن قومك حديث عهد بالشرك لهدمت الكعبة ولبنيتها على أساس إبراهيم عليه السلام ولجعلت لها بابين مع الأرض ) مع الأرض مش سلم كأي مسجد تدخل من هذا الباب تخرج من هذا الباب، هذا هو الذي بني على اليسر ( ولجعلت لها بابين مع الأرض بابًا يدخلون منه وبابًا يخرجون منه ) ما فعل الرسول عليه السلام؟. ذلك وإلى اليوم مع الأسف لم يقم هذا الإصلاح كأن المسلمين تمسكوا بتركه عليه السلام لهذا الإصلاح، وهنا لا بد لي من تقسيم ليس كذاك التقسيم أنه تقسيم علمي دقيق السنة تنقسم إلى قسمين ذكرني بهذا التقسيم؟. هو هذا الحديث السنة تنقسم إلى قسمين سنة فعلية وسنة تَركية، وإياكم إذا قرأتم هذا التقسيم في بعض الكتب الغير مشكلة ومضبوطة تقرؤها سنة فعلية وسنة تُركية، لا، سنة فعلية وسنة تَركية، أي شو اللي فعل الرسول؟. فالأمر بحقنا أن نقتدي به عليه السلام، وسنة تَركية أي تركها الرسول عليه السلام ولم يفعلها، فالسنة في حقنا تركها، هذا التقسيم ليس كذاك التقسيم، هذا إنه لحق مثل أنكم تنطقون، والمثال؟. الأمثلة الكثيرة جدًا، ولجهل جماهير الخلف بهذا التقسيم العادل الصحيح وقعوا في الابتداع في الدين بالعشرات المئات الألوف من البدع، وهم مع الأسف يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، كلنا يعلم إن من السنة الآذان للصلوات الخمس بل أقول هذا من الواجب، لكن هناك خلاف بين الفقهاء هل الآذان سنة أم واجب؟. منهم ومنهم وفيهم من قال أنه شعيرة من شعائر الإسلام وأنه لا يجوز إهماله ولا بد من القيام به، وتوسط بين القوم بأنه سنة مؤكدة، وبين أنه واجب، فهب أن الآذان للصلوات الخمس من السنة لكن هناك صلوات أخرى فهل يشرع لها الآذان مثلا صلاة الاستسقاء صلاة العيدين صلاة الكسوف والخسوف؟. لا يشرع لهذه الصلوات الآذان، ما هو الحجة ؟.كثير من جهل بتلك القاعدة العظيمة كل بدعة ضلالة، إذا قلت له يا أخي هذه بدعة ما فعلها الرسول ما فعلها الصحابة، يقول لك يا أخي في عندك نهي عنها؟. يريد نهيًا خاصًا عن هذه المحدثة نقول نحن أولا ليس من الضروري أن يكون هناك نهي عن كل جزئية وأن يكون هناك أمر بكل جزئية، هناك قواعد عامة وقاعدتنا هناك كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، فإذًا هناك نهي لكن فهمه من فهمه، وعلمها من علمها وجهلها من جهلها.
الخلاصة أن هذه الصلوات التي ذكرناها أخيرًا من غير الصلوات الخمس لماذا لا نؤذن لها؟. لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يؤذن لها، إذًا ما تركه الرسول فسنة بحقنا أن نتركه، ما فعله الرسول فسنة بحقنا أن نفعله، الآن نعود إلى قصة الكعبة قال عليه السلام : ( ولولا أن قومك حديث عهد بالشرك لهدمت الكعبة ) إلى أخره مع الأسف الشديد استمرت الكعبة على ما تركه الرسول عليه السلام أو تركها عليهم كأنهم طبقوا هذه القاعدة أن الرسول ترك هذا فإذًا نحن نتركها، لكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنظروا الآن معي الفقه ودقة الفقه للنصوص، الرسول صلى الله عليه وسلم لماذا ترك؟. ترك لعلة كانت يومئذ قال : ( لولا أن قومك حديث عهد بالشرك ) طيب يا أخي بعد مئة سنة ومائتين سنة الحمد لله الإسلام انتشر ولم يبقى هناك قوم بل أقوام هم حديثوا عهد بالشرك، إذًا كان من الواجب على بعض الولاة والحكام المسلمين أن يقوموا باصلاح ما أفسده المشركون وتركه الرسول عليه السلام لعلة وهذه العلة زالت ومن القواعد الأصولية أن الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا، فإذا زالت العلة زال المعلول، إذًا زال المشركون وطهر الله عز وجل الجزيرة العربية من الشرك وأهله، فكان ينبغي على بعض حكام المسلمين أن يعيدوا الكعبة إلى أساس إبراهيم عليه السلام كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد شاء الله عز وجل بحكمته أن يقوم أحد المصلحين من الصحابة وأبناء الصحابة يوم قدر له أن يكون حاكمًا في الحجاز ألا وهو عبدالله ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما، تعلمون مع الأسف الخلاف الذي نشب بين الأمويين وبين عبدالله ابن الزبير من حيث أنه بويع عبد لله ابن الزبير بالخلافة في الحجاز وكانت الخلافة يومئذ انتقلت إلى معاوية ثم إلى بعض أولاده وبني أمية، عبدالله ابن الزبير كما تعلمون جميعًا أمه أسماء وأسماء هي أخت عائشة وكلتاهما ابنتما أبي بكر الصديق فإذًا عائشة هي خالة عبدالله بن الزبير عائشة هي صاحبة القصة التي سمعتموها آنفًا : ( ولولا أن قومك حديثي عهد بالشرك ) إلى آخره، فأهتبلها فرصة عبدالله بن الزبير وأعاد الكعبة على أساس إبراهيم عليه السلام لكن لحكمة يريدها الله ويعلمها الله، قتل عبدالله ابن الزبير وصلب مع الأسف هناك في مكة، واستتب الأمر للأمويين وكان يومئذ الخليفة هو فيما أذكر عبد الملك ابن مروان، ومن مصائب الدنيا ومفاتنها ومفاتن الولايات والكراسي أن هذا الرجل عبد الملك بن مروان كان من علماء المسلمين قبل أن يتولى الخلافة، فلما تولى الخلافة انقلب شخص آخر، ومن ذلك أنه حينما قتل عبد الله ابن الزبير واستتب الأمر لعبد الملك، أمر بإعادة بناء الكعبة إلى ما كانت عليه في عهد الجاهلية وذات يوم وهو في عرشه في ملكه جاءت قصة عبدالله ابن الزبير وتجهيزه لبناء الكعبة على أساس إبراهيم عليه السلام كأنه ينقم عليه، فأحد أهل العلم ممن لا تأخذهم بالله لومة لائم قال : يا أمير المؤمنين إنني سمعت عبدالله ابن الزبير يقول حدثتني عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر هذا الحديث، قال عبد الملك بن مروان آسفا كما يقولون بعد خراب البصرة، لا خراب الكعبة أهم من خراب البصرة قال : " لو أنني كنت على علم بهذا الحديث لتركت الكعبة على بناء عبد الله ابن الزبير " فأنا أقول مع الأسف الشديد بعد أن أعاد عبد الملك إلى عهدها في الجاهلية لم يقم هناك حاكم مسلم ليعيد الكعبة على أساس إبراهيم عليه السلام ويبطل هذه العادة التي يخصص بها بعض الناس ممن لا يستحقون أن يدخلوا المسجد الحرام ربما فضلا عن أن يدخلوا في جوف الكعبة أن يجعلوا للكعبة بابين بعد أن يوسعوا دائرتها، ويدخل الناس من باب ويصلي فيها من شاء ويخرج من باب ثان، هذا أصل من أصول نستطيع أن نقول تنظيم السير خاصة في مثل هذه الأماكن المزدحمة، لكن مع الأسف أكثر الحكام هم مقلدون ولا يحرصون على إحياء السنن وإماتة البدع، وأنا أعتقد أن الأمر في هذا الزمان هو أيسر هو أحسن زمن ممكن أن يقوم به فيه حاكم مسلم بالإصلاح، لماذا؟. لأن التمهيد الآن بواسطة الدعايات والإذاعات والتلفاز وغير التلفاز إلى آخره ممكن غزو العالم الإسلامي بالأفكار الصحيحة وتهيئته لإصلاح جديد لا يفاجأ به العالم هيك مفاجاة فتقوم ثورة، هذا ممكن جدًا وميسر لو كان هناك من يهتم بالإصلاح.
الخلاصة أن السنة التي تركها الرسول صلى الله عليه وسلم نحن علينا أن نتركها لأننا لسنا أفقه منه ولا أعبد منه وكذلك أصحابه عليه السلام والسلف الصالح الذين قال فيهم الرسول عليه السلام : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) لعلي أجبت الآن عن الفقرة الأخيرة من السؤال.
السائل : جزاكم الله خير.
الشيخ : وإياكم، تمشي بدنا نسمع منك فائدة جزاك الله خير.
ابو مالك : من ركب البحر استقل السواقي.
الشيخ : بارك الله فيك البحر هنا البحر هنا ولو كلمة بارك الله فيك.
ابو مالك : بعد هذا العلم الذي أصبتم فيه جزاكم الله خيرا.
الشيخ : أفيضوا علينا بكلمة.
ابو مالك : نعم كيف.
الشيخ : توكل على الله.
ابو مالك : والله يا شيخ يعني.
الشيخ : افتتح بخطبة الحاجة حتى ينفتح أمامك العلم.
ابو مالك : العلم غاب يعني.
الشيخ : ما أدري إذا كان عندك وقت ما نريد أن نحرج عليك الناس كما تراهم مستعدون، ولو يعني أخذنا شيء من وقتك ومن راحتك في سبيل الله: إن أنت إلا اصبع دويت وفي سبيل الله ما لقيت.
1 - تتمة الكلام على تقسيم بعض الدعاة للسنة إلى سنة مألوفة و غير مألوفة و ما يترتب على هذا التقسيم من مصالح ومفاسد ،والكلام عن إحياء السنن . أستمع حفظ
كلمة للشيخ أبي مالك عن فضل العلم والعلماء وعن فتنة المال .
أبو مالك : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا آله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تسألون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوز عظيما )) أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أخواني بارك الله فيكم أريد أن أتناول في حديثي هذا ثلاث مسائل أفرد كل واحدة منها بما تيسر وبما يفتح الله علي من كلام فيها.
أما المسألة الأولى: فهي لا شك أننا في زمان اضمحل فيه العلم وغاب فيه وجهه الأبلج الذي كان عليه علماؤنا السابقين أو السابقون من علماء هذه الأمة في القرون الماضية وهذا العلم أصبح فعلا في هذا الزمن غريبًا وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( طوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس ) ، فإن من غربة الذين يصلحون غربة العلم، وغربة العلم لا شك أنها تحدث غربة في الناس أو في العلماء الذين على منهج الحق والذين أقاموا عمود الإسلام بعلمهم الذي فتح الله به عليهم فيما مضى من القرون، وهذا العلم إذا صار غريبًا في الناس بغربة العلماء الذين يتنزع ينتزعون من الأمة لا بالموت ولكن بالجهل الذي يركب الأمة فتأخذ الأمة سمتا أو طريقًا غير الطريق الذي كان عليه أسلافنا في مضى من القرون وهذا ما يشير إليه نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله : ( إن الله لا ينتزع هذا العلم بانتزاعه من صدور العلماء ولكن بموت أهله فإذا مات العلماء اتخذ الناس رؤوس جهالا فاستفتوهم فافتوهم فضلوا واضلوا ) ومن هنا يجب علينا أن نتذكر ونحن في مثل هذا المجلس الذي أفاء الله علينا فيه من علم يندر أن يكون في غير هذا المجلس إلا أن يكون هذا المجلس أو مثل هذا المجلس، أن يكون في غير هذا المجلس على أن يكون في مثل هذا المجلس، أقول أن الله عز وجل أفاء علينا أو أفاض علينا بعلم لسنا على قدرة أن نكون إلا حاملين له، أما أن يقدرنا الله عز وجل على بيانه والقول فيه والإحسان على هذا النحو الذي سمعناه من شيخنا جزاه الله خيرًا، فهذا لا يتيسر إلا للقلة في هذا الزمان، ومن هنا يجب أن نحرص على كل كلمة نسمعها في مثل هذا المجلس لأن حرصنا يؤكد أن طلب العلم أيضًا لا يكون إلا في القلة القليلة من الناس الذين اجتباهم الله عز وجل لنصرة دينه والقيام بأمر سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والدعوة إليهما، لا يفرقون بينهما لقوله عليه الصلاة والسلام : ( ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة ) فمن هنا أقول يجب علينا أن نحرص على مثل هذه المجالس العلمية النفيسة النادرة التي يكون فيها شيخنا جزاه الله عنا خيرًا وعن الأمة فقد أحسسنا حقيقة بأننا في زمان قل فيه العلماء، ولكن إذ جاد الله على هذه الأمة بمثل شيخنا فإننا والحمد لله نحس أو نشعر بأن هذا العلم الذي كان في سلف هذه الأمة وفي قرونها الثلاثة الأولى جعل الله منه سبيلا إلينا على يد شيخنا جزاه الله تبارك وتعالى خيرًا، وهذا العلم لا يكون إلا بالمثابرة والمواصلة والجهد والصبر ومعرفة دفائن ونفائس وكنوز هذا العلم التي لا يمكن أن تتيسر بحفظ أسمائها واستظهارها ومعرفة مؤلفيها وكاتبيها وإنما تعرف حقيقة بالجهد الذي ينبغي أن يبذل حتى تستظهر صحائفها وتستخرج كنوزها وتحفظ في الصدور والعقول حتى يكون الواحد من طلبة العلم على مثل ما كان طلبة العلم في الأزمان الغابرة وفي القرون الماضية، هذه المسألة الأولى.
أما المسألة الثانية: فإننا في مثل هذه الأيام ندرك تمامًا أننا في حاجة إلى تذكر قول الله تبارك وتعالى : (( لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم )) أقول أستذكر هذه الآية وأنا أقرأها أو ونحن نقرأها جميعًا في سورة الأنفال نستذكر معنى هذه الآية ماثلة أمام عيوننا وكأنها لا زالت تنطق بها أفواه أولئك المؤمنين الذين كانو يقاتلون في سبيل الله في غزوة بدر وفي غزوة أحد وفي غيرهما من الغزوات التي أظهرت حقيقة الأخوة فيما بين أولئك الصحابة رضوان الله عليهم إيثارًا ومودة وتضحية وصبرًا وحبًا إلى غير ذلك من الأخلاق العظيمة التي لا يمكن أن تظهر إلا في من فقه هذه الآية وعمل بمعانيها العظيمة التي اشتملت عليها : (( لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم )) وإذ الأمر كذلك ونحن نعلم بأن الله عز وجل هو الذي ألف بين هذه القلوب من غير أن يكون هناك انفاق ولو يسيرًا من المال، وإنما كان هذا التأليف بذلك الحب الذي ألقاه الله تبارك وتعالى في قلوب هذه الطائفة العظيمة وهذا الحب لم يكن يومًا لم يكن يومًا في مثل هذه القلوب ولا نبت ولا عظم ولا استطالت سيقانه ولا آتى ثماره إلا بالأيمان الذي تعلموه على يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فنحن إذًا في هذا الزمان في حاجة إلى أن نستذكر هذا المعنى وأن نستحضره في نفوسنا وألا يغيب لحظة واحدة عنا، وأن ننفي عنا كل ما يمكن أن يؤثر على هذا الأمر الذي اختصه الله تبارك وتعالى بهذه الطائفة وهي طائفة المؤمنين، ولم تكن لغير المؤمنين على الإطلاق، ومهما كان الحب الذي يتنازعه الناس أو يملأ أو يحاولون أن يظهروه فيهم إن كانوا على غير منهج الحق، فإن هذا الحب لا يلبث أن يغيب وأن يزول، ونحن إذا سلكنا سبيل أولئك في دعوانا الحب فإن هذا الحب سوف أيضًا يغيض ويزول ويلحق بذلك الحب الذي لا يمكن أن يستمر إذا كانوا على مثل ما هم عليه، فنحن إذًا يحب أن نحفظ هذه الآية حفظًا جيدًا وأن نعلم أن هذا الحب أو هذا الحب الذي أو هذه الأخوة التي كانت على أصل الحب الذي قام شجرة باسقة في قلوب أصحابه رضوان الله عليهم لن يكون فينا إلا على مثل ما كان في أولئك المؤمنين الصادقين وهي هبة سماوية ليس للبشر فيها فضل إلا أن يحافظوا عليها وأن يجنوا ثمارها وأن يجعلوا سبيلهم إليها سبيل إصلاح ومحافظة عليها، وإلا فإن هذه النعمة سوف تزول ولقد رأيتم زوال شيء منها في تلك الفتنة التي ألمت بالأمة وأحاطت بها من كل أطرافها، ونحن الآن والحمدلله نرى مصداق هذه الآية، وقد ابتعد عنا هذا المعنى الذي جاءت به هذه الفتنة العظيمة في بيت أخوة لنا كرام من القطر، من قطر قطر حيث نجلس في بيتهم، وأكلنا من طعامهم وشعرنا فعلا بأن الفتن مهما عظمت ومهما حاول أعداء الإسلام أن يضرموا نارها وأن يأججوا لهيبها وأن يقطعوا أسبابها فإنها باقية فينا وبقاؤها لم يكن إلا لأننا فقهنا والحمد لله قول ربنا تبارك وتعالى : (( لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم )) فإذًا هذه نعمة يجب أن نشكر الله تبارك وتعالى على ما أفاء علينا بها فهي أيضًا مما ينبغي أن نعلم بأن دوامها لا يكون إلا بالعلم والعلم الذي تعلمناه من أسلافنا الصالحين، وجعل الله فينا بقية منهم، ومنهم شيخنا الشيخ ناصر جزاه الله تبارك وتعالى عنا خيرًا.
أما المسألة الثالثة وهي الأخيرة: فإنه لا شك يا إخوان بأن أعظم فتنة أصيبت بها الأمة في هذا الزمان وتصاب بها في الأزمنة المقبلة وأصيبت بها أيضًا في الأزمنة الماضية أعظم فتنة هي فتنة المال التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : ( لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال ) فالمال يا إخوان ليس هو السبيل الذي يصلح عليه أمر هذه الأمة، وأنتم ترون الآن بأن الأموال التي تجري كالأنهار بين يدي المسلمين كانت سببًا في دمارهم وخراب بيوتهم وإفساد أرضهم وتسلط أعدائهم عليهم، فلو كان المال سببًا في إحياء الأمة وفي نهضتها وفي بناء مجدها وفي أن تلحق بالركب الذين مضوا من سلف هذه الأمة لكانت الأمة اليوم هي أعلى الأمم في الأرض، ولكن هذه الأمة وقد أصيبت بفتنة المال وأحاطت بها من كل أطرافها فاجتالتها عن مواقع الخير والمودة والمحبة، هذه الأمة ينبغي أن تعلم وقد وقعت في تجربة عظيمة وخطيرة زلزلتها وقضت مضاجعها وحملتها على سفن وفي بحور، في بحور هوجاء متلاطمة الأمواج لن يستقر أمرها إلا إذا عرفت أن المال ليس سبيلها في نهضتها، وليس سبيلها إلى وحدتها، وليس سبيلها أيضًا إلى اجتماع كلمتها، وأنتم ترون ولا حاجة لأن أضرب الأمثلة أو أقرب الأمر إليكم أكثر مما أشرت إليه، فإن الإشارة هنا تكفي وتكفي وتكفي، لذلك لابد أن نعلم بأن المال الذي كان سببًا في إطفاء جدوة الإيمان وفي تقطيع مودات القلوب وفي استعباد هذه الإمة على أيدي أعدائها، وفي استعباد هذه الأمة على أيدي أعدائها وفي انتقاص أرضها وفي سلب خيراتها وفي ضربها بعضها مع بعض، يجب أن نعلم بأن هذه الفتنة هي أخطر فتنة، وأن علينا أن نتخلص منها، وألا تتعلق بها قلوبنا، والذي يحل محل هذه الفتنة بلا شك هو أن نعلم بأن الآخرة خير لنا وأبقى، وأن الآخرة التي قال الله عز وجل فيها ما قال من تقديمها وتفضيلها على الدنيا، وترغيب الناس في العمل إليها لن تنال بالتمني، ولن تكون إلا بالسعي بالعمل الصالح والبذل المتواصل والجهد الذي لا ينقطع، وطلب العلم والمعرفة فإن الآخرة لا بد لها من علم، والعلم لا يكون إلا ... .
أما المسألة الأولى: فهي لا شك أننا في زمان اضمحل فيه العلم وغاب فيه وجهه الأبلج الذي كان عليه علماؤنا السابقين أو السابقون من علماء هذه الأمة في القرون الماضية وهذا العلم أصبح فعلا في هذا الزمن غريبًا وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( طوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس ) ، فإن من غربة الذين يصلحون غربة العلم، وغربة العلم لا شك أنها تحدث غربة في الناس أو في العلماء الذين على منهج الحق والذين أقاموا عمود الإسلام بعلمهم الذي فتح الله به عليهم فيما مضى من القرون، وهذا العلم إذا صار غريبًا في الناس بغربة العلماء الذين يتنزع ينتزعون من الأمة لا بالموت ولكن بالجهل الذي يركب الأمة فتأخذ الأمة سمتا أو طريقًا غير الطريق الذي كان عليه أسلافنا في مضى من القرون وهذا ما يشير إليه نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله : ( إن الله لا ينتزع هذا العلم بانتزاعه من صدور العلماء ولكن بموت أهله فإذا مات العلماء اتخذ الناس رؤوس جهالا فاستفتوهم فافتوهم فضلوا واضلوا ) ومن هنا يجب علينا أن نتذكر ونحن في مثل هذا المجلس الذي أفاء الله علينا فيه من علم يندر أن يكون في غير هذا المجلس إلا أن يكون هذا المجلس أو مثل هذا المجلس، أن يكون في غير هذا المجلس على أن يكون في مثل هذا المجلس، أقول أن الله عز وجل أفاء علينا أو أفاض علينا بعلم لسنا على قدرة أن نكون إلا حاملين له، أما أن يقدرنا الله عز وجل على بيانه والقول فيه والإحسان على هذا النحو الذي سمعناه من شيخنا جزاه الله خيرًا، فهذا لا يتيسر إلا للقلة في هذا الزمان، ومن هنا يجب أن نحرص على كل كلمة نسمعها في مثل هذا المجلس لأن حرصنا يؤكد أن طلب العلم أيضًا لا يكون إلا في القلة القليلة من الناس الذين اجتباهم الله عز وجل لنصرة دينه والقيام بأمر سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والدعوة إليهما، لا يفرقون بينهما لقوله عليه الصلاة والسلام : ( ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة ) فمن هنا أقول يجب علينا أن نحرص على مثل هذه المجالس العلمية النفيسة النادرة التي يكون فيها شيخنا جزاه الله عنا خيرًا وعن الأمة فقد أحسسنا حقيقة بأننا في زمان قل فيه العلماء، ولكن إذ جاد الله على هذه الأمة بمثل شيخنا فإننا والحمد لله نحس أو نشعر بأن هذا العلم الذي كان في سلف هذه الأمة وفي قرونها الثلاثة الأولى جعل الله منه سبيلا إلينا على يد شيخنا جزاه الله تبارك وتعالى خيرًا، وهذا العلم لا يكون إلا بالمثابرة والمواصلة والجهد والصبر ومعرفة دفائن ونفائس وكنوز هذا العلم التي لا يمكن أن تتيسر بحفظ أسمائها واستظهارها ومعرفة مؤلفيها وكاتبيها وإنما تعرف حقيقة بالجهد الذي ينبغي أن يبذل حتى تستظهر صحائفها وتستخرج كنوزها وتحفظ في الصدور والعقول حتى يكون الواحد من طلبة العلم على مثل ما كان طلبة العلم في الأزمان الغابرة وفي القرون الماضية، هذه المسألة الأولى.
أما المسألة الثانية: فإننا في مثل هذه الأيام ندرك تمامًا أننا في حاجة إلى تذكر قول الله تبارك وتعالى : (( لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم )) أقول أستذكر هذه الآية وأنا أقرأها أو ونحن نقرأها جميعًا في سورة الأنفال نستذكر معنى هذه الآية ماثلة أمام عيوننا وكأنها لا زالت تنطق بها أفواه أولئك المؤمنين الذين كانو يقاتلون في سبيل الله في غزوة بدر وفي غزوة أحد وفي غيرهما من الغزوات التي أظهرت حقيقة الأخوة فيما بين أولئك الصحابة رضوان الله عليهم إيثارًا ومودة وتضحية وصبرًا وحبًا إلى غير ذلك من الأخلاق العظيمة التي لا يمكن أن تظهر إلا في من فقه هذه الآية وعمل بمعانيها العظيمة التي اشتملت عليها : (( لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم )) وإذ الأمر كذلك ونحن نعلم بأن الله عز وجل هو الذي ألف بين هذه القلوب من غير أن يكون هناك انفاق ولو يسيرًا من المال، وإنما كان هذا التأليف بذلك الحب الذي ألقاه الله تبارك وتعالى في قلوب هذه الطائفة العظيمة وهذا الحب لم يكن يومًا لم يكن يومًا في مثل هذه القلوب ولا نبت ولا عظم ولا استطالت سيقانه ولا آتى ثماره إلا بالأيمان الذي تعلموه على يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فنحن إذًا في هذا الزمان في حاجة إلى أن نستذكر هذا المعنى وأن نستحضره في نفوسنا وألا يغيب لحظة واحدة عنا، وأن ننفي عنا كل ما يمكن أن يؤثر على هذا الأمر الذي اختصه الله تبارك وتعالى بهذه الطائفة وهي طائفة المؤمنين، ولم تكن لغير المؤمنين على الإطلاق، ومهما كان الحب الذي يتنازعه الناس أو يملأ أو يحاولون أن يظهروه فيهم إن كانوا على غير منهج الحق، فإن هذا الحب لا يلبث أن يغيب وأن يزول، ونحن إذا سلكنا سبيل أولئك في دعوانا الحب فإن هذا الحب سوف أيضًا يغيض ويزول ويلحق بذلك الحب الذي لا يمكن أن يستمر إذا كانوا على مثل ما هم عليه، فنحن إذًا يحب أن نحفظ هذه الآية حفظًا جيدًا وأن نعلم أن هذا الحب أو هذا الحب الذي أو هذه الأخوة التي كانت على أصل الحب الذي قام شجرة باسقة في قلوب أصحابه رضوان الله عليهم لن يكون فينا إلا على مثل ما كان في أولئك المؤمنين الصادقين وهي هبة سماوية ليس للبشر فيها فضل إلا أن يحافظوا عليها وأن يجنوا ثمارها وأن يجعلوا سبيلهم إليها سبيل إصلاح ومحافظة عليها، وإلا فإن هذه النعمة سوف تزول ولقد رأيتم زوال شيء منها في تلك الفتنة التي ألمت بالأمة وأحاطت بها من كل أطرافها، ونحن الآن والحمدلله نرى مصداق هذه الآية، وقد ابتعد عنا هذا المعنى الذي جاءت به هذه الفتنة العظيمة في بيت أخوة لنا كرام من القطر، من قطر قطر حيث نجلس في بيتهم، وأكلنا من طعامهم وشعرنا فعلا بأن الفتن مهما عظمت ومهما حاول أعداء الإسلام أن يضرموا نارها وأن يأججوا لهيبها وأن يقطعوا أسبابها فإنها باقية فينا وبقاؤها لم يكن إلا لأننا فقهنا والحمد لله قول ربنا تبارك وتعالى : (( لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم )) فإذًا هذه نعمة يجب أن نشكر الله تبارك وتعالى على ما أفاء علينا بها فهي أيضًا مما ينبغي أن نعلم بأن دوامها لا يكون إلا بالعلم والعلم الذي تعلمناه من أسلافنا الصالحين، وجعل الله فينا بقية منهم، ومنهم شيخنا الشيخ ناصر جزاه الله تبارك وتعالى عنا خيرًا.
أما المسألة الثالثة وهي الأخيرة: فإنه لا شك يا إخوان بأن أعظم فتنة أصيبت بها الأمة في هذا الزمان وتصاب بها في الأزمنة المقبلة وأصيبت بها أيضًا في الأزمنة الماضية أعظم فتنة هي فتنة المال التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : ( لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال ) فالمال يا إخوان ليس هو السبيل الذي يصلح عليه أمر هذه الأمة، وأنتم ترون الآن بأن الأموال التي تجري كالأنهار بين يدي المسلمين كانت سببًا في دمارهم وخراب بيوتهم وإفساد أرضهم وتسلط أعدائهم عليهم، فلو كان المال سببًا في إحياء الأمة وفي نهضتها وفي بناء مجدها وفي أن تلحق بالركب الذين مضوا من سلف هذه الأمة لكانت الأمة اليوم هي أعلى الأمم في الأرض، ولكن هذه الأمة وقد أصيبت بفتنة المال وأحاطت بها من كل أطرافها فاجتالتها عن مواقع الخير والمودة والمحبة، هذه الأمة ينبغي أن تعلم وقد وقعت في تجربة عظيمة وخطيرة زلزلتها وقضت مضاجعها وحملتها على سفن وفي بحور، في بحور هوجاء متلاطمة الأمواج لن يستقر أمرها إلا إذا عرفت أن المال ليس سبيلها في نهضتها، وليس سبيلها إلى وحدتها، وليس سبيلها أيضًا إلى اجتماع كلمتها، وأنتم ترون ولا حاجة لأن أضرب الأمثلة أو أقرب الأمر إليكم أكثر مما أشرت إليه، فإن الإشارة هنا تكفي وتكفي وتكفي، لذلك لابد أن نعلم بأن المال الذي كان سببًا في إطفاء جدوة الإيمان وفي تقطيع مودات القلوب وفي استعباد هذه الإمة على أيدي أعدائها، وفي استعباد هذه الأمة على أيدي أعدائها وفي انتقاص أرضها وفي سلب خيراتها وفي ضربها بعضها مع بعض، يجب أن نعلم بأن هذه الفتنة هي أخطر فتنة، وأن علينا أن نتخلص منها، وألا تتعلق بها قلوبنا، والذي يحل محل هذه الفتنة بلا شك هو أن نعلم بأن الآخرة خير لنا وأبقى، وأن الآخرة التي قال الله عز وجل فيها ما قال من تقديمها وتفضيلها على الدنيا، وترغيب الناس في العمل إليها لن تنال بالتمني، ولن تكون إلا بالسعي بالعمل الصالح والبذل المتواصل والجهد الذي لا ينقطع، وطلب العلم والمعرفة فإن الآخرة لا بد لها من علم، والعلم لا يكون إلا ... .
اضيفت في - 2004-08-16