الشيخ صالح آل الشيخ
الفتوى الحموية الكبرى
الحجم ( 5.66 ميغابايت )
التنزيل ( 1704 )
الإستماع ( 344 )


  1. ما قول السادة أئمة الدين في آيات الصفات كقوله تعالى : (الرحمن على العرش استوى) [طه:5] . و قوله : (ثم استوى على العرش) [الفرقان :59] .و قوله : (ثم استوى إلى السماء و هي دخان) [فصلت : 11] . إلى غير ذلك من آيات الصفات ، و أحاديث الصفات كقوله صلى الله عليه و سلم : " إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن " . و قوله : " يضع الجبار قدمه في النار " . إلى غير ذلك ؟ و ما قالت العلماء فيه ؟ و ابسطوا القول في ذلك مأجورين إن شاء الله تعالى . فأجاب رضي الله عنه : الحمد لله رب العالمين ، قولنا فيها ما قاله الله و رسوله صلى الله عليه و سلم و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار ، و الذين اتبعوهم بإحسان ، و ما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم و درايتهم ، و هذا هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب و غيره ، فإن الله سبحانه و تعالى بعث محمدا صلى الله عليه و سلم بالهدى و دين الحق ، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد و شهد له بأنه بعثه داعيا إليه بإذنه و سراجا منيرا ، و أمره أن يقول : (قل هذه سبيلي أدعوا الله على بصيرة أنا و من اتبعني) [يوسف] . فمن المحال في العقل و الدين أن يكون السراج المنير الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور ، و أنزل معه الكتاب بالحق ، ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، و أمر الناس أن يردوا ما تنازعوا فيه من أمر دينهم إلى ما بعث به من الكتاب و الحكمة ، و هو يدعو إلى الله و إلى سبيله بإذنه على بصيرة ، و قد أخبر الله بأنه أكمل له و لأمته دينهم ، و أتم عليهم نعمته ، محال مع هذا و غيره أن يكون قد ترك باب الإيمان بالله و العلم به ملتبسا مشتبها ، و لم يميز بين ما يجب لله من الأسماء الحسنى و الصفات العليا ، و ما يجوز عليه ، و ما يمتنع عليه . فإن معرفة هذا أصل الدين و أساس الهداية ، و أفضل و أوجب ما اكتسبته القلوب ، و حصلته النفوس ، و أدركته العقول ، فكيف يكون ذلك الكتاب و ذلك الرسول و أفضل خلق الله بعد النبيين لم يحكموا هذا الباب اعتقادا و قولا ؟!. و من المحال أيضا أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم قد أعلم أمته كل شيء حتى الخراءة ، و قال : " تركتكم على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك " . و قال فيما صح عنه أيضا : " ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، و ينهاهم عن شر ما يعلمه لهم " . و قال أبو ذر : " لقد توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و ما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما " . و قال عمر بن الخطاب : " قام فينا رسول الله صلى الله عليه و سلم مقاما ، فذكر بدء الخلق ؛ حتى دخل أهل الجنة منازلهم ، و أهل النار منازلهم ، حفظ ذلك من حفظه و نسيه من نسيه " . رواه البخاري .

  2. و محال مع تعليمهم كل شيء لهم فيه منفعة في الدين ـ و إن دقت ـ أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم ، و يعتقدونه في قلوبهم ، في ربهم و معبودهم رب العالمين ، الذي معرفته غاية المعارف ، و عبادته أشرف المقاصد ، و الوصول إليه غاية المطالب ، بل هذا خلاصة الدعوة النبوية ، و زبدة الرسالة الإلهية ، فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان و حكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول على غاية التمام ؟! ثم إذا كان قد وقع ذلك منه : فمن المحال أن يكون خير أمته و أفضل قرونها قصروا في هذا الباب ، زائدين فيه أو ناقصين عنه . ثم من المحال أيضا أن تكون القرون الفاضلة ـ القرن الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ـ كانوا غير عالمين و غير قائلين في هذا الباب بالحق المبين ؛ لأن ضد ذلك إما عدم العلم و القول ، و إما اعتقاد نقيض الحق و قول خلاف الصدق ، و كلاهما ممتنع . أما الأول : فلأن من في قلبه أدنة حياة و طلب للعلم ، أو نهمة في العبادة يكون البحث عن هذا الباب و السؤال عنه ، و معرفة الحق فيه ، أكبر مقاصده ، و أعظم مطالبه ، أعني بيان ما ينبغي اعتقاده ، لا معرفة كيفية الرب و صفاته . و ليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر ، و هذا أمر معلوم بالفطرة الوجدية ، فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضى ـ الذي هو من أقوى المقتضيات ـ أن يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة في مجموع عصورهم ؟! هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق ، و أشدهم إعراضا عن الله ، و أعظمهم إكبابا على طلب الدنيا ، و الغفلة عن ذكر الله تعالى ، فكيف يقع في أولئك ؟!. و أما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق أو قائليه : فهذا لا يعتقده مسلم ، و لا عاقل عرف حال القوم .

الشيخ صالح آل الشيخ
الفتوى الحموية الكبرى
الحجم ( 5.84 ميغابايت )
التنزيل ( 1596 )
الإستماع ( 284 )


  1. و هذا الكلام قد رأيته ، صرح بمعناه طائفة منهم ، و هو لازم لجماعتهم لزوما لا محيدا عنه ، و مضمونه : أن كتاب الله لا يهتدى به في معرفة الله ، و أن الرسول معزول عن التعليم و الإخبار بصفات من أرسله ، و أن الناس عند التنازع لا يردون ما تنازعوا فيه إلى الله و الرسول ، بل إلى مثل ما كانوا عليه في الجاهلية ، و إلى مثل ما يتحاكم إليه من لا يؤمن بالأنبياء ، كالبراهمة و الفلاسفة ـ و هم المشركون ـ و المجوس و بعض الصابئين . و إن كان هذا الرد لا يزيد الأمر إلا شدة ، و لا يرتفع الخلاف به ، إذ لكل فريق طواغيت يريدون أن يتحاكموا إليهم ، و قد أمروا أن يكفروا بهم ، و ماأشبه حال هؤلاء المتكلمين بقوله سبحانه و تعالى : (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت و قد أمروا أن يكفروا به و يريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * و إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله و إلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا * فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا و توفيقا) [النساء : 60-62] . فإن هؤلاء إذا دعو إلى ما أنزل الله من الكتاب و إلى الرسول ـ و الدعاء إليه بعد وفاته و هو الدعاء إلى سنته ـ أعرضوا عن ذلك و هم يقولون : إنا قصدنا الإحسان علما و عملا بهذه الطريق التي سلكناها ، و التوفيق بين الدلائل العقلية و النقلية .

  2. ثم عامة هذه الشبهات التي يسمونها دلائل : إنما تقلدوا أكثرها عن طاغوت من طواغيت المشركين ، او الصابئين ، أو بعض ورثتهم الذين أمروا أن يكفروا بهم مثل فلان و فلان ، أو عمن قال كقولهم ، لتشابه قلوبهم ، قال الله تعالى : (فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما) [النساء : 65] (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و أنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) الآية [البقرة : 213] . و لازم هذه المقالة أن لا يكون الكتاب هدى للناس و لا بيانا و لا شفاء لما في الصدور ، و لا نوراً ، و لا مردا عند التنازع ؛ لأنا نعلم بالاضطرار أن ما يقوله هؤلاء المتكلفون : إنه الحق الذي يجب اعتقاده ، لم يدل عليه الكتاب والسنة ، لا نصاً ولا ظاهراً ، وإنما غاية المتحذلق أن يستنتج هذا من قوله : (و لم يكن له كفوا أحد) [الإخلاص : 4] (هل تعلم له سميا) [مريم : 65] . و بالاضطرار يعلم كل عاقل أن من دل الخلق على أن الله ليس على العرش ، و لا فوق السموات و نحو ذلك بقوله : (هل تعلم له سميا) [مريم : 65] لقد أبعد النجعة ، و هو إما ملغز و إمام مدلس ، لم يخاطبهم بلسان عربي مبين . و لازم هذه المقالة : أن يكون ترك الناس بلا رسالة خيرا لهم في أصل دينهم ؛ لأن مردهم قبل الرسالة و بعدها واحد ، و إنما الرسالة زادتهم عمى و ضلالة .

الشيخ صالح آل الشيخ
الفتوى الحموية الكبرى
الحجم ( 5.84 ميغابايت )
التنزيل ( 1489 )
الإستماع ( 279 )


  1. و الإيمان بالله و اليوم الآخر يتضمن الإيمان بالمبدأ و المعاد ، و هو الإيمان بالخلق و البعث ، كما جمع بينهما في قوله تعالى : (و من الناس من يقول آمنا بالله و باليوم الآخر و ما هم بمؤمنين) [البقرة : 8] و قال تعالى : (ما خلقكم و لا بعثكم إلا كنفس واحدة) [لقمان : 28] و قال تعالى : (و هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده) [الروم : 27] و قد بين الله على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم من أمر الإيمان بالله و اليوم الآخر ما هدى الله به عباده ، و كشف به مراده . و معلوم للمؤمنين : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلم من غيره بذلك ، و أنصح من غيره للأمة ، و أفصح من غيره عبارة و بيانا ، بل هو أعلم الخلق بذلك ، و أنصح الخلق للأمة ، وأفصحهم ، فقد اجتمع في حقه كمال العلم و القدرة و الإرادة .

  2. و معلوم أن المتكلم أو الفاعل إذا كمل علمه و قدرته و إرادته كمل كلامه و فعله ، و إنما يدخل النقص : إما من نقص علمه ، و إما من عجزه عن بيان علمه ، و إما لعدم إرادته البيان .

الشيخ صالح آل الشيخ
الفتوى الحموية الكبرى
الحجم ( 5.78 ميغابايت )
التنزيل ( 1468 )
الإستماع ( 272 )


  1. غير مراد ، أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة ، و حينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت ، و لا يقال حينئذ بلا كيف ، إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول .

  2. و روى الأثرم في " السنة " و أبو عبد الله بن بطة في " الإبانة " و أبو عمرو الطلمنكي ، و غيرهم بإسناد صحيح ، عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي الماجشون ـ و هو أحد أئمة المدينة الثلاثة الذين هم : مالك بن أنس ، و ابن الماجشون ، و ابن أبي ذئب ـ و قد سئل عما جحدت به الجهمية : " أما بعد : فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت الجهمية و من خلفها في صفة الرب العظيم ، الذي فاقت عظمته الوصف و التدبر ، و كلت الألسن عن تفسير صفته ، و انحصرت العقول دون معرفة قدرته ، و ردت عظمته العقول فلم تجد مساغا ، فرجعت خاسئة و هي حسيرة ، و إنما أمروا بالنظر و التفكر فيما خلق بالتقدير ، و إنما يقال " كيف " لمن لم يكن مرة ثم كان ، فأما الذي لا يحول ، و لا يزول ، و لم يزل ، و ليس له مثل ، فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو ، و كيف يعرف قدر من لم يبدأ ، و من لا يموت و لا يبلى ؟‍! و كيف يكون لصفة شيء منه حد أو منتهى يعرفه عارف أو يحد قدره واصف ؟‍! على أنه الحق المبين ، لا حق أحق منه ، و لا شيء أبين منه ، الدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه ، لا تكاد تراه صغرا يجول و يزول ، و لا يرى له سمع و لا بصر ؛ لما يتقلب به و يحتال من عقله أعضل بك ، و أخفى عليك مما ظهر من سمعه و بصره ، فتبارك الله أحسن الخالقين ، و خالقهم ، و سيد السادة ، و ربهم (ليس كمثله شيء و هو السميع البصير) [الشورى : 11] . اعرف ـ رحمك الله ـ غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها ؛ إذا لم تعرف قدر ما وصف فما تكلفك علم ما لم يصف ؟ هل تستدل بذلك على شيء من طاعته أو تزدجر به عن شيء من معصيته ؟. فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا و تكلفا فقد (استهوته الشياطين في الأرض حيران) [الأنعام : 71] ، فصا ر يستدل ـ بزعمه ـ على جحد ما وصف الرب و سمى من نفسه بأن قال : لا بد إن كان له كذا من أن يكون له كذا من أن يكون له كذا ، فعمي عن البين بالخفي فجحد ما سمى الرب من نفسه لصمت الرب عما لم يسم منها ، فلم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قول الله عز وجل : (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) [القيامة : 22-23] ، فقال : لا يراه أحد يوم القيامة ، فجحد و الله أفضل كرامة الله التي أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر إلى وجهه و نضرته إياهم (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) [القمر : 55] ، قد قضى أنهم لا يموتون ، فهم بالنظر إليه ينضرون . إلى أن قال : و إنما جحد رؤية الله يوم القيامة إقامة للحجة الضالة المضلة ؛ لأنه قد عرف أنه إذا تجلى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمنين ، و كان له جاحدا . و قال المسلمون : يا رسول الله ! هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم " هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب ؟ " . قالوا : لا ، قال : " فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ " ، قالوا : لا . قال : " فإنكم ترون ربكم يومئذ كذلك " . و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا تمتلئ النار حتى يضع الجبار فيها قدمه ، فتقول قط قط ، و ينزوي بعضها إلى بعض " . وقال لثابت بن قيس : " لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة " . و قال فيما بلغنا : " إن الله تعالى ليضحك من أزلكم و قنوطكم و سرعة إجابتكم " فقال له رجل من العرب : إن ربنا ليضحك ؟ قال : " نعم " ، قال : لا نعدم من رب يضحك خيرا . إلى أشباه لهذا مما لا نحصيه . و قال تعالى : (و هو السميع البصير) [الشورى : 11] (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) [الطور : 48] ، و قال تعالى (و لتصنع على عيني) [طه : 39] ، و قال تعالى (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) [ص : 75] ، و قال تعالى : (و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السموات مطويات بيمينه سبحانه و تعالى عما يشركون) [الزمر : 67] . فوالله ما دلهم على عظم ما وصفه من نفسه ، و ما تحيط به قبضته إلا صغر نظيرها منهم عندهم ، إن ذلك الذي ألقي في روعهم ، و خلق على معرفة قلوبهم ، فما وصف الله من نفسه و سماه على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم سميناه كما سماه ، و لم نتكلف منه صفة ما سواه ـ لا هذا و لا هذا ـ لا نجحد ما وصف و لا نتكلف معرفة ما لم يصف .

الشيخ صالح آل الشيخ
الفتوى الحموية الكبرى
الحجم ( 5.85 ميغابايت )
التنزيل ( 1333 )
الإستماع ( 268 )


  1. و ذكر " أحاديث الصفات " ثم قال : " فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ، و وصفه بها نبيه ، و ليس في شيء منها تحديد و لا تشبيه ، و لا تقدير (ليس كمثله شيء و هو السميع البصير) [الشورى : 11] . لم تره العيون فتحده كيف هو ؟ و لكن رأته القلوب في حقائق الإيمان " اهـ . و كلام الأئمة في هذا الباب أطول و أكثر من أن تسع هذه الفتيا عشره . و كذلك كلام الناقلين لمذهبهم . مثل ما ذكره أبو سليمان الخطابي في رسالته المشهورة في " الغنية عن الكلام و أهله " قال : " فأما مات سألت عنه من الصفات ، و ما جاء منها في الكتاب و السنة ؛ فإن مذهب السلف إثباتها ، و إجراؤها على ظواهرها ، و نفي الكيفية و التشبيه عنها ، و قد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله ، و حققها قوم من المثبتين فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه و التكييف ، و إنما القصد في سلوك الطريقة المستقيمة بين الأمرين ، و دين الله تعالى بين الغالي فيه و الجافي و المقصر عنه . و الأصل في هذا : أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات ، و يحتذى في ذلك حذوه و مثاله ، فإذا كان معلوما أن إثبات الباري سبحانه إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية ، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد و تكييف . فإذا قلنا : يد و سمع و بصر و ما أشبهها ، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه ، و لسنا نقول : إن معنى اليد : اقوة و النعمة ، و لا معنى السمع و البصر : العلم ، و لا نقول : إنها جوارح ، و لا نشببها بالأيدي و الأسماع و الأبصار التي هي جوارح و أدوات للفعل و نقول : إن القول إنما وجب بإثبات الصفات ؛ لأن التوقيف ورد بها ، و وجب نفي التشبيه عنها ؛ لأن الله ليس كمثله شيء ، و على هذا جرى قول السلف في أحاديث الصفات " هذا كله كلام الخطابي .

  2. و هكذا قاله أبو بكر الحافظ في رسالة له ، أخبر فيها أن مذهب السلف على ذلك . و هذا الكلام الذي ذكره الخطابي قد نقل نحوا منه من العلماء من لا يحصى عددهم ، مثل أبي بكر الإسماعيلي ، و الإمام يحي بن عمار السجزي ، و شيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي صاحب " منازل السائرين " و " ذم الكلام " و هو أشهر من أن يوصف ، و شيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني ، و أبي عمر بن عبد البر النمري إمام المغرب ، و غيرهم . و قال أبو نعيم الأصبهاني صاحب " الحلية " في عقيدة له قال في أولها : " طريقتنا طريقة المتبعين الكتاب و السنة ، و إجماع الأمة ، قال : فمما اعتقدوه أن الأحاديث التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه و سلم في العرش و استواء الله يقولون بها ، و يثبتونها ، من غير تكييف ، و لا تمثيل ، و لا تشبيه ، و أن الله بائن من خلقه ، و الخلق بائنون منه ، لا يحل فيهم و لا يمتزج بهم ، و هو مستو على عرشه في شمائه ، دون أرضه و خلقه ".

الشيخ صالح آل الشيخ
الفتوى الحموية الكبرى
الحجم ( 3.79 ميغابايت )
التنزيل ( 1254 )
الإستماع ( 254 )


  1. و قال الإمام أبو عبد الله محمد بن خفيف في كتابه الذي سماه " اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء و الصفات " قال في آخر خطبته : " فاتفقت أقوال المهاجرين و الأنصار في توحيد الله عز وجل ، و معرفة أسمائه و صفاته و قضائه ، قولا واحدا و شرعا ظاهرا ، و هم الذين نقلوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك حتى قال : " عليكم بسنتي " . و ذكر الحديث ، و حديث : " لعن الله من أحدث حدثا " . قال : فكانت كلمة الصحابة على الاتفاق من غير اختلاف ، و هم الذين أمرنا بالأخذ عنهم إذ لم يختلفوا بحمد الله تعالى في أحكام التوحيد ، و أصول الدين من الأسماء و الصفات ، كما اختلفوا في الفروع ، و لو كان منهم في ذلك اختلاف لنقل إلينا ؛ كما نقل سائر الاختلاف ، فاستقر صحة ذلك عند خاصتهم و عامتهم ، حتى أدوا ذلك إلى التابعين لهم بإحسان ، فاستقر صحة ذلك عند العلماء المعروفين ، حتى نقلوا ذلك قرنا بعد قرن ؛ لأن الاختلاف كان عندهم في الأصل كفر ، و لله المنة . ثم إني قائل ـ و بالله أقول ـ إنه لما اختلفوا في أحكام التوحيد ، و ذكر الأسماء و الصفات على خلاف منهج المتقدمين ، من الصحابة و التابعين ، فخاضوا في ذلك من لم يعرفوا بعلم الآثار ، و لم يعقلوا قولهم بذكر الأخبار ، و صار معولهم على أحكام هوى حسن النفس المستخرجة من سوء الظن به ، على مخالفة السنة ، و التعلق منهم بآيات لم يسعدهم فيها ما وافق النفوس ، فتأولوا على ما وافق هواهم ، و صححوا بذلك مذهبهم ، احتجت إلى الكشف عن صفة المتقدمين ، و مأخذ المؤمنين ، و منهاج الأولين ، خوفا من الوقوع في جملة أقاويلهم التي حذر رسول الله صلى الله عليه و سلم أمته ، و منع المستجيبين له حتى حذرهم . ثم ذكر أبوعبد الله خروج النبي صلى الله عليه و سلم و هم يتنازعون في القدر و غضبه . و حديث : " لا ألفين أحدكم " . و حديث : " ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة " : " فإن الناجية ما كان عليه هو أصحابه ، ثم قال :

  2. فلزم الأمة قاطبة معرفة ما كان عليه الصحابة ، و لم يكن الوصول إليه إلا من جهة التابعين لهم بإحسان ، المعروفين بنقل الأخبار ممن لا يقبل المذاهب المحدثة ، فيتصل ذلك قرنا بعد قرن ممن عرفوا بالعدالة و الأمانة الحافظين على الأمة ما لهم و ما عليهم من إثبات السنة " . إلى أن قال : " فأول ما نبتدئ به ما أوردنا هذه المسألة من أجلها ذكر أسماء الله عز وجل في كتابه ، و ما بين صلى الله عليه و سلم من صفاته في سنته ، و ما وصف به عز وجل مما سنذكر قول القائلين بذلك ، مما لا يجوز لنا في ذلك أن نرده إلى أحكام عقولنا بطلب الكيفية بذلك ، و مما قد أمرنا بالاستسلام له " .

الشيخ صالح آل الشيخ
الفتوى الحموية الكبرى
الحجم ( 5.58 ميغابايت )
التنزيل ( 1248 )
الإستماع ( 261 )


  1. إلى أن قال : " و نعتقد أن الله تعالى خلق الجنة و النار ، و أنهما مخلوقتان للبقاء ، لا للفناء " . إلى أن قال : " و نعتقد أن النبي صلى الله عليه و سلم عرج بنفسه إلى سدرة المنتهى " إلى أن قال : " و نعتقد أن الله قبض قبضتين فقال : " هؤلاء للجنة و هؤلاء للنار " . و نعتقد أن للرسول صلى الله عليه و سلم حوضا ، و نعتقد أنه أول شافع و أول مشفع " ، و ذكر " الصراط " و " الميزان " و " الموت " و أن المقتول قتل بأجله و استوفى رزقه .

  2. إلى أن قال : و مما نعتقد أن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الآخر ؛ فيبسط يده فيقول : " ألا هل من سائل " . الحديث ، و ليلة النصف من شعبان . و عشية عرفة . و ذكر الحديث في ذلك . قال : " و نعتقد أن الله تعالى كلم موسى تكليما ، و اتخذ إبراهيم خليلا ، و أن الخلة غير الفقر .

الشيخ صالح آل الشيخ
الفتوى الحموية الكبرى
الحجم ( 5.87 ميغابايت )
التنزيل ( 1255 )
الإستماع ( 226 )


  1. تتمة شرح الشريط السابق .

  2. و من متأخريهم الشيخ الإمام أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلاني قال في كتاب " الغنية " : " أما معرفة الصانع بالآيات و الدلالات على وجه الاختصار فهو أن يعرف و يتيقن أن الله واحد احد " . إلى أن قال : " و هو بجهة العلو مستو على العرش ، محتو على الملك ، محيط علمه بالأشياء (إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه) [فاطر : 10] (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) [السجدة : 5] . و لا يجوز وصفه بأنه في كل مكان ، بل يقال إنه في السماء على العرش ، كما قال : (الرحمن على العرش استوى) [طه : 5] . و ذكر آيات و أحاديث إلى أن قال : " و ينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل ، و أنه استواء الذات على العرش " ، قال : " و كونه على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف " . و ذكر كلاما طويلا لا يحتمله هذا الموضع ، و ذكر في سائر الصفات نحو هذا . و لو ذكرت ما قاله العلماء في هذا لطال الكتاب جدا . قال أبو عمر بن عبد البر : روينا عن مالك بن أنس ، و سفيان الثوري و سفيان ابن عيينة ، و الأوزاعي ، و معمر بن راشد في أحاديث الصفات أنهم كلهم قالوا : أمروها كما جاءت . قال أبو عمر : ما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم من نقل الثقات أو جاء عن أصحابه رضي الله عنهم فهم علم يدان به ، و ما أحدث بعدهم و لم يكن له أصل فيما جاء عنهم فهو بدعة و ضلالة . و قال في " شرح الموطأ " لما تكلم على حديث النزول قال : هذا حديث ثابت النقل صحيح من جهة الإسناد ، و لا يختلف أهل الحديث في صحته ، و هو منقول من طرق ـ سوى هذه ـ من أخبار العدول عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و فيه دليل على أن الله في السماء على العرش استوى من فوق سبع سموات ، كما قالت الجماعة ، و هو من حجتهم على المعتزلة في قولهم : إن الله تعالى في كل مكان بذاته المقدسة . قال : و الدليل على صحة ما قال أهل الحق قول الله ـ و ذكر بعض الآيات ـ إلى أن قال : و هذا أشهر و أعرف عند العامة و الخاصة من أن يحتاج إلى أكثر من حكايته ؛ لأنه اضطرار لم يوقفهم عليه أحد ، و لا أنكره عليهم مسلم . و قال أبو عمر بن عبد البر أيضا : اجمع علماء الصحابة و التابعين الذين حمل عنهم التأويل قالوا في تأويل قوله : (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) [المجادلة : 7] . هو على العرش ، و علمه في كل مكان ، و ما خالفهم في ذلك من يحتج بقوله . و قال أبو عمر أيضا : أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن و السنة ، و الإيمان بها ، و حملها على الحقيقة لا على المجاز ، إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ، و لا يحدون فيه صفة محصورة . و أما أهل البدع الجهمية و المعتزلة كلها و الخوارج : فكلهم ينكرونها ، و لا يحملون شيئا منها على الحقيقة ، و يزعمون أن من أقر بها مشبه ، و هم عند من أقر بها نافون للمعبود ، و الحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم و هم أئمة الجماعة ، هذا كلام ابن عبد البر إمام أهل المغرب .

الشيخ صالح آل الشيخ
الفتوى الحموية الكبرى
الحجم ( 5.87 ميغابايت )
التنزيل ( 1212 )
الإستماع ( 219 )


  1. تتمة الشرح السابق .

  2. ثم قال : " فصل " . و قد قال القائلون من المعتزلة ، و الجهمية ، و الحرورية : إن معنى قوله : (الرحمن على العرش استوى) [طه : 5] . أنه استولى و قهر و ملك ، و أن الله عز وجل في كل مكان ، و جحدوا أن يكون الله على عرشه ، كما قال أهل الحق ، و ذهبوا في الاستواء إلى القدرة ، فلو كان كما ذكروه كان لا فرق بين العرش و الأرض السابعة ؛ لأن الله قادر على كل شيء ، و الأرض فالله قادر عليها ، و على الحشوش ، و على كل ما في العالم ، فلو كان مستويا على العرش بمعنى الاستيلاء ـ و هو عز وجل مستول على الأشياء كلها ـ لكان مستويا على العرش و على الأرض ، و على السماء و على الحشوش و الأقذار ، لأنه قادر على الأشياء مستول عليها . و إذا كان قادرا على الأشياء كلها و لم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول : إن الله مستو على الحشوش و الأخلية لم يجز أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها ، و وجب أن يكون معنى الاستواء يختص العرش دون الأشياء كلها ، و ذكر دلالات من القرآن و الحديث ، و الإجماع ، و العقل .

الشيخ صالح آل الشيخ
الفتوى الحموية الكبرى
الحجم ( 5.85 ميغابايت )
التنزيل ( 1247 )
الإستماع ( 221 )


  1. تتمة الشرح السابق .

  2. و كذلك قوله : (عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) [الإنسان : 6] . و (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) [الإسراء : 1] . فإن العبد تارة يعنى به : المعبد فيعم الخلق ، كما في قوله : (إن كل من في السموات و الأرض إلا آتي الرحمن عبدا) [مريم : 93] . و تارة يعني به : العابد فيخص ، ثم يختلفون ، فمن كان أعبد علما و حالا كانت عبوديته أكمل ، فكانت الإضافة في حقه أكمل ، مع أنها حقيقة في جميع المواضع . و مثل هذه الألفاظ يسميها بعض الناس " مشككة " لتشكك المستمع فيها ، هل هي من قبيل الأسماء المتواطئة ، أو من قبيل المشتركة في اللفظ فقط ، و المحققون يعلمون أنها ليست خارجة عن جنس المتواطئة ، إذ واضع اللغة إنما وضع اللفظ بإزاء القدر المشترك ، و إن كانت نوعا مختصا من المتواطئة فلا بأس بتخصيصها بلفظ .

الشيخ صالح آل الشيخ
الفتوى الحموية الكبرى
الحجم ( 5.48 ميغابايت )
التنزيل ( 1188 )
الإستماع ( 149 )


  1. فكما أن المنحرفين عنه يسمونهم بأسماء مذمومة مكذوبة ـ و إن اعتقدوا صدقها بناء على عقيدتهم الفاسدة ـ فكذلك التابعون له على بصيرة الذين هم أولى الناس به في المحيا و الممات ، باطنا و ظاهرا . و أما الذين وافقوه ببواطنهم و عجزوا عن إقامة الظواهر ، و الذين وافقوه بظواهرهم و عجزوا عن تحقيق البواطن ، و الذين وافقه ظاهرا و باطنا بحسب الإمكان : فلا بد للمنحرفين عن سنته أن يعتقدوا فيهم نقصا يذمونهم به ، و يسمونهم بأسماء مكذوبة ـ و إن اعتقدوا صدقها ـ كقول الرافضي : من لم يبغض أبا بكر رضي الله عنه و عمر ، فقد أبغض عليا ؛ لأنه لا ولاية لعلي إلا بالبراءة منهما ، ثم يجعل من أحب أبا بكر و عمر ناصبيا ، بناء على هذه الملازمة الباطلة ، التي اعتقدها صحيحة ، أو عاند فيها و هو الغالب . و كقول القدري : من اعتقد أن الله أراد الكائنات ، و خلق أفعال العباد : فقد سلب من العباد الاختيار و القدرة ، و جعلهم مجبورين كالجمادات التي لا إرادة لها و لا قدرة . و كقول الجهمي : من قال إن الله فوق العرش . فقد زعم أنه محصور ، وأنه جسم مركب محدود ، وأنه مشابه لخلقه . وكقول الجهمية المعتزلة : من قال إن الله علماً وقدرة فقد زعم أنه جسم مركب ، و أنه مشبه ؛ لأن هذه الصفات أعراض ، و العرض لا يقوم إلا بجوهر متحيز ، و كل متحيز جسم مركب ، أو جوهر فرد ، و من قال ذلك فهو مشبه ؛ لأن الأجسام متماثلة . و من حكى عن الناس " المقالات " و سماهم بهذه الأسماء المكذوبة ـ بناء على عقيدته التي هم مخالفون له فيها ـ فهو و ربه ، و الله من ورائه بالمرصاد ، و لا يحيق المكر السيء إلا بأهله .

  2. و جماع الأمر : أن الأقسام الممكنة في آيات الصفات و أحاديثها ستة أقسام ، كل قسم عليه طائفة من أهل القبلة : قسمان يقولان : تجري على ظواهرها . و قسمان يقولان : هي على خلاف ظاهرها . و قسمان يسكتون . أما الأولون فقسمان : أحدهما : من يجريها على ظاهرها و يجعل ظاهرها من جنس صفات المخلوقين فهؤلاء المشبهة ، و مذهبهم باطل ، أنكره السلف ، و إليهم يتوجه الرد بالحق . الثاني : من يجريها على ظاهرها اللائق بجلال الله ، كما يجري ظاهر اسم العليم و القدير ، و الرب و الإله ، و الموجود و الذات ، و نحو ذلك ، على ظاهرها اللائق بجلال الله ، فإن ظواهر هذه الصفات في حق المخلوق إما جوهر محدث ، و إما عرض قائم به . فالعلم ، و القدرة ، و الكلام ، و المشيئة ، و الرحمة ، و الرضا ، و الغضب ، و نحو ذلك : في حق العبد أعراض ، و الوجه و اليد و العين في حقه أجسام ، فإذا كان الله موصوفا عند عامة أهل الإثبات بأن له علما و قدرة ، و كلاما و مشيئة ـ و إن لم يكن ذلك عرضا ، يجوز عليه ما يجوز على صفات المخلوقين ـ جاز أن يكون وجه الله و يداه صفات ليست أجساما ، يجوز عليها ما يجوز على صفات المخلوقين . و هذا هو المذهب الذي حكاه الخطابي و غيره عن السلف ، و عليه يدل كلام جمهورهم ، و كلام الباقين لا يخالفه ، و هو أمر واضح ، فإن الصفات كالذات ، فكما أن ذات الله ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس المخلوقات ، فصفاته ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس صفات المخلوقات . فمن قال : لا أعقل علما و يدا إلا من جنس العلم و اليد المعهودين . قيل له : فكيف تعقل ذاتا من غير جنس ذوات المخلوقين ، و من المعلوم أن صفات كل موصوف تناسب ذاته و تلائم حقيقته ؛ فمن لم يفهم من صفات الرب ـ الذي ليس كمثله شيء ـ إلا ما يناسب المخلوق فقد ضل في عقله و دينه . و ما أحسن ما قال بعضهم : إذا قال لك الجهمي : كيف استوى أو كيف ينزل إلى سماء الدنيا أو كيف يداه و نحو ذلك ؟ فقل له : كيف هو في ذاته ؟ فإذا قال لك : لا يعلم ما هو إلا هو ، و كنه الباري تعالى غير معلوم للبشر . فقل له : فالعلم بكيفية الصفة مستلزم للعلم بكيفية الموصوف ، فكيف يمكن أن تعلم كيفية صفة لموصوف لم تعلم كيفيته ؟! و إنما تعلم الذات و الصفات من حيث الجملة على الوجه الذي ينبغي لك . بل هذه " المخلوقات في الجنة " قد ثبت عن ابن عباس أنه قال : ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء ، و قد أخبر الله تعالى : إنه لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ، و أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن في الجنة : " ما لا عين رأت و لا أذن سمعت ، و لا خطر على قلب بشر " . فإذا كان نعيم الجنة و هو خلق من خلق الله كذلك فما ظنك بالخالق سبحانه و تعالى .