حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري ومحمد بن عبيد الغبري واللفظ لأبي كامل قالا حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك وقال بن عبيد فيلهمون لذلك فيقولون لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا قال فيأتون آدم صلى الله عليه وسلم فيقولون أنت آدم أبو الخلق خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هناكم فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ولكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله قال فيأتون نوحا صلى الله عليه وسلم فيقول لست هناكم فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ولكن ائتوا إبراهيم صلى الله عليه وسلم الذي اتخذه الله خليلا فيأتون إبراهيم صلى الله عليه وسلم فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ولكن ائتوا موسى صلى الله عليه وسلم الذي كلمه الله وأعطاه التوراة قال فيأتون موسى عليه السلام فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته فيأتون عيسى روح الله وكلمته فيقول لست هناكم حفظ
القارئ : حدّثنا أبو كاملٍ فضيل بن حسينٍ الجحدريّ ، ومحمّد بن عبيدٍ الغبريّ - واللّفظ لأبي كاملٍ - قال : حدّثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالكٍ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يجمع الله النّاس يوم القيامة فيهتمّون لذلك - وقال ابن عبيدٍ : فيلهمون لذلك - فيقولون : لو استشفعنا على ربّنا حتّى يريحنا من مكاننا هذا ، قال : فيأتون آدم صلى الله عليه وسلم ، فيقولون : أنت آدم ، أبو الخلق ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ، اشفع لنا عند ربّك حتّى يريحنا من مكاننا هذا ، فيقول : لست هناكم ، فيذكر خطيئته الّتي أصاب ، فيستحيي ربّه منها ، ولكن ائتوا نوحًا أوّل رسولٍ بعثه الله ، قال : فيأتون نوحًا صلى الله عليه وسلم ، فيقول : لست هناكم ، فيذكر خطيئته الّتي أصاب ، فيستحيي ربّه منها ، ولكن ائتوا إبراهيم صلى الله عليه وسلم الّذي اتّخذه الله خليلًا ، فيأتون إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، فيقول : لست هناكم ، ويذكر خطيئته الّتي أصاب ، فيستحيي ربّه منها ، ولكن ائتوا موسى صلى الله عليه وسلم ، الّذي كلّمه الله وأعطاه التّوراة ، قال : فيأتون موسى عليه السّلام ، فيقول : لست هناكم ، ويذكر خطيئته الّتي أصاب ، فيستحيي ربّه منها ، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته ، فيأتون عيسى روح الله وكلمته ، فيقول : لست هناكم ، ولكن ائتوا محمّدًا صلى الله عليه وسلم عبدًا قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ).
الشيخ : هذه الأحاديث في الشفاعة ، ذلك أن الناس يلحقهم يوم القيامة من الكرب والغم ما لا يطيقون ، يعني هم حفاة عراة والشمس تدنو منهم بمقدار ميل ويجدون أهوالًا عظيمة ، فيهمهم من الهم واللفظ الثاني : ( فيلهمون ) أي : يلهمهم الله عز وجل أن يأتوا إلى هؤلاء السادة الرسل والأنبياء.
فيأتون آدم ، آدم عليه الصلاة والسلام ، فيقولون : أنت أبو الخلق ، والمراد بالخلق هنا البشر ، فهو عامٌّ أريد به الخاص ، وإلا فهو ليس أبًا للملائكة ولا للجن ، هو أبو البشر فقط.
خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه خلقه الله بيده ، وسبق لنا أن الله تعالى خلق آدم بيده ، وكتب التوراة بيده ، وغرس جنة عدن بيده أما بقية الخلائق فكما قلنا بالكلمة ( كن فيكون )
( ونفخ فيك من روحه ) ليس المراد أن الله نفخ فيه من روحه هو نفسه ، وذلك أن هذه الروح مخلوقة ، وصفات الله تعالى غير مخلوقة ، لكن هذا من باب إضافة الشيء إلى الله عز وجل تكريمًا وتشريفًا ، كما في قوله تعالى : (( وطهر بيتي للطائفين )) ، وقوله تعالى : (( ومن أظلم ممن منع مساجد الله )) ، وكقوله تعالى : (( ناقة الله وسقياها )) فهذه روح مخلوقة ، أضافها الله تعالى لنفسه من باب التشريف والتكريم.
( وأمر الملائكة فسجدوا لك ) (( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا )) فكان هذا السجود طاعة لله وكان تركه كفرًا لله ، مع أن السجود لغير الله في الأصل شرك ، لكن طاعة الله هي طاعة الله ، حتى لو أمرك الله بشيء من الشرك وأطعته فأنت ... .
قتل النفس بغير حق من كبائر الذنوب وقتل الولد أشد وأعظم، ومع ذلك كان امتثال إبراهيم عليه السلام لقتل ابنه كان من أفضل الأعمال مع أنه قتل.
الحاصل : أن الطاعة هي امتثال أمر الله على أي حالٍ كان ، فإذا كان الله تعالى نهى عن شيء بعينه ... وإذا أمر به فهو طاعة ، وإن كان نهى عن القتل صار كبيرة ، وإذا أمر به صار طاعة ... اسم إشارة والكاف للمخاطب ، وقد مر علينا أن اسم الإشارة تكون الكاف المتصلة به على ثلاثة أوجه ، يعني فيها ثلاثة لغات : ... مع الإفراد ، والفصل بين المذكر مع الإفراد مطلقًا ، ... مع .... المؤنث مطلقًا ، والثالث : مراعاة المخاطب المخاطب إذا كان مذكر الكاف مفتوحة ، وإذا كان مؤنث فبالكاف مكسورة ، والمثنى بالكاف مع الميم والألف ، وجماعة النسوة بالكاف مع النون ، وجماعة الذكور بالكاف مع الميم.
يقول : ( لست هناكم ) يعني : لست من أهل ذلك المكان الذي يستطيع أن يشفع فيه ، ويذكر خطيئته التي أصاب ، خطيئته التي أصاب ... أنها أكله من الشجرة لأن الله تعالى قال : (( كلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين )) نهاهما فجاء إبليس فوسوس لهما وقال : (( يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى )) (( ودلاهما بغرور ))، (( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ))، وهو كاذب حتى أكلا أكلا منها ولهذا وسوس لأبينا وصار يوسوس لنا أيضًا
نعرف الحق ولا نعرف الذنب ، ولكنه يقاسم لنا بأنه ناصح افعل كذا وافعل كذا
هذه خطيئته ، وفي هذا دليل على أن ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن آدم عليه الصلاة والسلام جاءه إبليس حين حملت حواء وأمرهما أن يسميا ولدهما عبد الحارث فأبيا ، مرتين أو ثلاثة ، وجاءهما في الثالثة أو الرابعة وقال لتطيعاني أو لأجعلن له قرنًا أيل نوع من الغزلان فيخرج من بطنك فيشقك فسمياه عبد الحارث ، فذلك قوله تعالى : (( فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون أيشركون ما لا يخلق شيء وهم يخلقون )) هذه القصة ليست صحيحة إطلاقًا ، وقد بينا في شرح التوحيد أنها غير صحيحة من ثمانية أوجه نقلية وعقلية ، وأن ... من آدم عليه الصلاة والسلام ، لأنه لو كان كذلك لكان اعتذاره به أولى من اعتذاره بأكل الشجرة ، لأن أكل الشجرة معصية ، وهذا شرك ، والشرك أعظم.
المهم أنه يذكر خطيئته ، ومعلوم أن من فعل خطيئة أمام من يشفع عنده أنه ليس له وجه أن يشفع عنده ، لماذا ؟ لأنه هو نفسه الآن مخطئ ، فكيف يشفع عنده لو طلب منك إنسان أن تشفع له عند شخص وأنت قد أسأت إلى هذا الشخص ، هل يمكن أن تشفع ؟ لا يمكن لأن أنا نفسي الآن أحتاج لمن يشفع لي عنده. فيستحيي ربه هنا.
ولكن ائتوا نوحًا ، أول رسول بعثه الله ، وهذا صحيح ، لأن نوحًا أول رسول ، وبه نعرف كذب ما يذكر من النسب أن إدريس كان جدًّا لنوح ، وإدريس لو كان جدًّا لكان هو أول رسول ، لكن هذا كذب ، وإدريس من بني إسرائيل.
يقول : ائتوا نوح ، أول رسول بعثه الله ، قال : فيأتون نوحًا صلى الله عليه وسلم إذا قال قائل : أليس آدم نبيًّا ؟ قلنا : بلى هو نبي ، يوحى إليه ، مأمور ومنهي متعبد لله بالذي أوحاه الله إليه ، لكنه ليس رسولًا.
إلى من يرسل ؟! هو أول من خلق من البشر ، فليس رسولًا ، ثم إن أولاده كانوا قليلين ، لم يحصل لهم خلاف ولا انتشروا في الأرض ، ولهذا قال الله تعالى : (( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه )) إذا كانوا أمة واحدة فاختلفوا ثم بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، وهذا واضح ، وأن أول رسول هو نوح.
قال : فيأتون نوحًا صلى الله عليه وسلم فيقول لست هناكم ، فيذكر خطيئته التي أخطأها فيستحيي ربه منها ما هي الخطيئة : الخطيئة أنه سأل ما ليس له به علم حين قال : (( رب إن ابني من أهلي )) لما أراد الله عز وجل أن يهلك قومه كان منهم أحد أبنائه ، وقال له أبوه : اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال : سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ، وهذا هو فكر الماديين الذين يعتمدون على الأسباب العادية الحسية ، كأنه يقول : هذه السفينة ربما تقع ، لكن سآوي إلى جبل عالٍ يعصمني من الماء وهذا فكر الماديين الذين يعتمدون على الأسباب العادية الحسية ... سآوي إلى جبل عال يعصمني من الماء فقال له أبوه : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ، وحال بينهما الموج فكان من المغرقين.
لكنه قد سأله ربه قبل : (( رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين )) وقد أمر الله نوحًا أن يحمل أهله معه فكان ... ولكن الله قال : (( إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين )) وهذا يدل على أن الله تعالى جعله بذلك الفعل قد سأل ما ليس له به علم فكيف بمن سأل ما يعلم بأنه لا يجوز يكون هذا من باب أولى أن ... الخطيئة ، ومعلوم أن من فعل الخطيئة لا يصح أن يكون شفيعًا عند من أخطأ في حقه.
قال : ولكن ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلًا فيأتون إبراهيم كل واحد يحيل على آخر يذكر الثناء عليه ، آدم أحال على نوح وذكر الثناء ، ونحو أحال على إبراهيم وذكر الثناء إبراهيم اتخذه الله خليلًا ، قال العلماء : والخليل هو الذي نال من المحبة أعلاها ، لأن أعلى أنواع المحبة هي الخلة ، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في روضة المحبين أن المحبة لها بضع وعشرين درجة ، أعلاها الخلة ، وعلى هذا قول الشاعر لمعشوقته :
" قد تخللت مسلك الروح مني ***وبذا سمي الخليل خليلا "
مسلك الروح يعني مجاري الدم ، وبذا سمي الخليل خليلًا ، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام اتخذه الله خليلًا ، جزاءً على ذبح ابنه الذي هو أحب البشر إليه من أجل أن ينال محبة الله ورضا الله فأثابه الله عز وجل والرب عز وجل هكذا يفعل مع عباده من ترك شيئًا له عوضه الله خيرًا منه
فسليمان لما ترك الخيل فقال ردوها علي فطفق مسحًا بالسوق والأعناق تقربا لله عز وجل وقطعا ... التي ألهته، ماذا عوضه الله ؟ (( ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره رخاء حيث أصاب )) ، ريح عاصفة قوية ، ومن العادة أن الريح العاصفة القوية تهلك ، ما تكون رخاءً لكن هذه جعلها الله رخاءً ، وقد ذكروا أن وضعوا بساطًا على الأرض ويجتمع هو وحاشيته على هذا البساط ثم تطير بهم الريح حيث أرادوا شمالًا أو جنوبًا أو شرقًا أو غربًا حيث أصاب
إبراهيم عليه الصلاة والسلام نال الخلة ، لما امتثل أمر الله أن ينفذه في أحب البشر إليه ، وهل نال الخلة أحد من البشر سوى إبراهيم ؟ نعم ، هو محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال : إن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا.
وهل أحد غيرهما نال ذلك ؟ لا نعلم ولو كان أحد نالها والله أعلم لبينه الله عز وجل ، لأن الله لا يهضم صاحب حق حقه ، الظاهر أن الخلة في الخليلين فقط، إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم ، وبه نعرف أن وصفنا لرسول صلى الله عليه وسلم لخليل الله أبلغ من وصفنا إياه بحبيب الله لأن المحبة أدنى من الخلة ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب أبا بكر ، وهو أحب الرجال إليه ، ولكنه قال : ( لو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر ).
إذن الخلة أعلى من المحبة ولهذا ثبتت من الرسول لأبي بكر وانتفت الخلة.
الشيخ : هذه الأحاديث في الشفاعة ، ذلك أن الناس يلحقهم يوم القيامة من الكرب والغم ما لا يطيقون ، يعني هم حفاة عراة والشمس تدنو منهم بمقدار ميل ويجدون أهوالًا عظيمة ، فيهمهم من الهم واللفظ الثاني : ( فيلهمون ) أي : يلهمهم الله عز وجل أن يأتوا إلى هؤلاء السادة الرسل والأنبياء.
فيأتون آدم ، آدم عليه الصلاة والسلام ، فيقولون : أنت أبو الخلق ، والمراد بالخلق هنا البشر ، فهو عامٌّ أريد به الخاص ، وإلا فهو ليس أبًا للملائكة ولا للجن ، هو أبو البشر فقط.
خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه خلقه الله بيده ، وسبق لنا أن الله تعالى خلق آدم بيده ، وكتب التوراة بيده ، وغرس جنة عدن بيده أما بقية الخلائق فكما قلنا بالكلمة ( كن فيكون )
( ونفخ فيك من روحه ) ليس المراد أن الله نفخ فيه من روحه هو نفسه ، وذلك أن هذه الروح مخلوقة ، وصفات الله تعالى غير مخلوقة ، لكن هذا من باب إضافة الشيء إلى الله عز وجل تكريمًا وتشريفًا ، كما في قوله تعالى : (( وطهر بيتي للطائفين )) ، وقوله تعالى : (( ومن أظلم ممن منع مساجد الله )) ، وكقوله تعالى : (( ناقة الله وسقياها )) فهذه روح مخلوقة ، أضافها الله تعالى لنفسه من باب التشريف والتكريم.
( وأمر الملائكة فسجدوا لك ) (( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا )) فكان هذا السجود طاعة لله وكان تركه كفرًا لله ، مع أن السجود لغير الله في الأصل شرك ، لكن طاعة الله هي طاعة الله ، حتى لو أمرك الله بشيء من الشرك وأطعته فأنت ... .
قتل النفس بغير حق من كبائر الذنوب وقتل الولد أشد وأعظم، ومع ذلك كان امتثال إبراهيم عليه السلام لقتل ابنه كان من أفضل الأعمال مع أنه قتل.
الحاصل : أن الطاعة هي امتثال أمر الله على أي حالٍ كان ، فإذا كان الله تعالى نهى عن شيء بعينه ... وإذا أمر به فهو طاعة ، وإن كان نهى عن القتل صار كبيرة ، وإذا أمر به صار طاعة ... اسم إشارة والكاف للمخاطب ، وقد مر علينا أن اسم الإشارة تكون الكاف المتصلة به على ثلاثة أوجه ، يعني فيها ثلاثة لغات : ... مع الإفراد ، والفصل بين المذكر مع الإفراد مطلقًا ، ... مع .... المؤنث مطلقًا ، والثالث : مراعاة المخاطب المخاطب إذا كان مذكر الكاف مفتوحة ، وإذا كان مؤنث فبالكاف مكسورة ، والمثنى بالكاف مع الميم والألف ، وجماعة النسوة بالكاف مع النون ، وجماعة الذكور بالكاف مع الميم.
يقول : ( لست هناكم ) يعني : لست من أهل ذلك المكان الذي يستطيع أن يشفع فيه ، ويذكر خطيئته التي أصاب ، خطيئته التي أصاب ... أنها أكله من الشجرة لأن الله تعالى قال : (( كلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين )) نهاهما فجاء إبليس فوسوس لهما وقال : (( يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى )) (( ودلاهما بغرور ))، (( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ))، وهو كاذب حتى أكلا أكلا منها ولهذا وسوس لأبينا وصار يوسوس لنا أيضًا
نعرف الحق ولا نعرف الذنب ، ولكنه يقاسم لنا بأنه ناصح افعل كذا وافعل كذا
هذه خطيئته ، وفي هذا دليل على أن ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن آدم عليه الصلاة والسلام جاءه إبليس حين حملت حواء وأمرهما أن يسميا ولدهما عبد الحارث فأبيا ، مرتين أو ثلاثة ، وجاءهما في الثالثة أو الرابعة وقال لتطيعاني أو لأجعلن له قرنًا أيل نوع من الغزلان فيخرج من بطنك فيشقك فسمياه عبد الحارث ، فذلك قوله تعالى : (( فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون أيشركون ما لا يخلق شيء وهم يخلقون )) هذه القصة ليست صحيحة إطلاقًا ، وقد بينا في شرح التوحيد أنها غير صحيحة من ثمانية أوجه نقلية وعقلية ، وأن ... من آدم عليه الصلاة والسلام ، لأنه لو كان كذلك لكان اعتذاره به أولى من اعتذاره بأكل الشجرة ، لأن أكل الشجرة معصية ، وهذا شرك ، والشرك أعظم.
المهم أنه يذكر خطيئته ، ومعلوم أن من فعل خطيئة أمام من يشفع عنده أنه ليس له وجه أن يشفع عنده ، لماذا ؟ لأنه هو نفسه الآن مخطئ ، فكيف يشفع عنده لو طلب منك إنسان أن تشفع له عند شخص وأنت قد أسأت إلى هذا الشخص ، هل يمكن أن تشفع ؟ لا يمكن لأن أنا نفسي الآن أحتاج لمن يشفع لي عنده. فيستحيي ربه هنا.
ولكن ائتوا نوحًا ، أول رسول بعثه الله ، وهذا صحيح ، لأن نوحًا أول رسول ، وبه نعرف كذب ما يذكر من النسب أن إدريس كان جدًّا لنوح ، وإدريس لو كان جدًّا لكان هو أول رسول ، لكن هذا كذب ، وإدريس من بني إسرائيل.
يقول : ائتوا نوح ، أول رسول بعثه الله ، قال : فيأتون نوحًا صلى الله عليه وسلم إذا قال قائل : أليس آدم نبيًّا ؟ قلنا : بلى هو نبي ، يوحى إليه ، مأمور ومنهي متعبد لله بالذي أوحاه الله إليه ، لكنه ليس رسولًا.
إلى من يرسل ؟! هو أول من خلق من البشر ، فليس رسولًا ، ثم إن أولاده كانوا قليلين ، لم يحصل لهم خلاف ولا انتشروا في الأرض ، ولهذا قال الله تعالى : (( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه )) إذا كانوا أمة واحدة فاختلفوا ثم بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، وهذا واضح ، وأن أول رسول هو نوح.
قال : فيأتون نوحًا صلى الله عليه وسلم فيقول لست هناكم ، فيذكر خطيئته التي أخطأها فيستحيي ربه منها ما هي الخطيئة : الخطيئة أنه سأل ما ليس له به علم حين قال : (( رب إن ابني من أهلي )) لما أراد الله عز وجل أن يهلك قومه كان منهم أحد أبنائه ، وقال له أبوه : اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال : سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ، وهذا هو فكر الماديين الذين يعتمدون على الأسباب العادية الحسية ، كأنه يقول : هذه السفينة ربما تقع ، لكن سآوي إلى جبل عالٍ يعصمني من الماء وهذا فكر الماديين الذين يعتمدون على الأسباب العادية الحسية ... سآوي إلى جبل عال يعصمني من الماء فقال له أبوه : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ، وحال بينهما الموج فكان من المغرقين.
لكنه قد سأله ربه قبل : (( رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين )) وقد أمر الله نوحًا أن يحمل أهله معه فكان ... ولكن الله قال : (( إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين )) وهذا يدل على أن الله تعالى جعله بذلك الفعل قد سأل ما ليس له به علم فكيف بمن سأل ما يعلم بأنه لا يجوز يكون هذا من باب أولى أن ... الخطيئة ، ومعلوم أن من فعل الخطيئة لا يصح أن يكون شفيعًا عند من أخطأ في حقه.
قال : ولكن ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلًا فيأتون إبراهيم كل واحد يحيل على آخر يذكر الثناء عليه ، آدم أحال على نوح وذكر الثناء ، ونحو أحال على إبراهيم وذكر الثناء إبراهيم اتخذه الله خليلًا ، قال العلماء : والخليل هو الذي نال من المحبة أعلاها ، لأن أعلى أنواع المحبة هي الخلة ، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في روضة المحبين أن المحبة لها بضع وعشرين درجة ، أعلاها الخلة ، وعلى هذا قول الشاعر لمعشوقته :
" قد تخللت مسلك الروح مني ***وبذا سمي الخليل خليلا "
مسلك الروح يعني مجاري الدم ، وبذا سمي الخليل خليلًا ، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام اتخذه الله خليلًا ، جزاءً على ذبح ابنه الذي هو أحب البشر إليه من أجل أن ينال محبة الله ورضا الله فأثابه الله عز وجل والرب عز وجل هكذا يفعل مع عباده من ترك شيئًا له عوضه الله خيرًا منه
فسليمان لما ترك الخيل فقال ردوها علي فطفق مسحًا بالسوق والأعناق تقربا لله عز وجل وقطعا ... التي ألهته، ماذا عوضه الله ؟ (( ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره رخاء حيث أصاب )) ، ريح عاصفة قوية ، ومن العادة أن الريح العاصفة القوية تهلك ، ما تكون رخاءً لكن هذه جعلها الله رخاءً ، وقد ذكروا أن وضعوا بساطًا على الأرض ويجتمع هو وحاشيته على هذا البساط ثم تطير بهم الريح حيث أرادوا شمالًا أو جنوبًا أو شرقًا أو غربًا حيث أصاب
إبراهيم عليه الصلاة والسلام نال الخلة ، لما امتثل أمر الله أن ينفذه في أحب البشر إليه ، وهل نال الخلة أحد من البشر سوى إبراهيم ؟ نعم ، هو محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال : إن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا.
وهل أحد غيرهما نال ذلك ؟ لا نعلم ولو كان أحد نالها والله أعلم لبينه الله عز وجل ، لأن الله لا يهضم صاحب حق حقه ، الظاهر أن الخلة في الخليلين فقط، إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم ، وبه نعرف أن وصفنا لرسول صلى الله عليه وسلم لخليل الله أبلغ من وصفنا إياه بحبيب الله لأن المحبة أدنى من الخلة ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب أبا بكر ، وهو أحب الرجال إليه ، ولكنه قال : ( لو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر ).
إذن الخلة أعلى من المحبة ولهذا ثبتت من الرسول لأبي بكر وانتفت الخلة.