فوائد حفظ
الشيخ : في هذا دليل على فضيلة الغزو في البحر، وهذا واضح في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وما قاربه، وذلك لشدّة خطورة ركوب البحر، إذ أنْ السفن كانت تسير على الهواء، بالشراع، والأمواج تؤثر عليها كثيراً، والرياح العاصفة كذلك. ففيها خطورة عظيمة، فلذلك كانت أفضل من الغزو في البر، لأن الغزو في البر يستطيع الإنسان أن يكرْ، ويَكر، ويتصرّف، لكن المُشْكل البحر، فهل هذا ينطبق في وقتنا الحاضر؟ أو نقول : إن البحر في الوقت الحاضر أمان؟ الجواب : أنه ينْطبق، لأنا لو كُنّا نأمن من الرياح وعواصفها، والأمواج وارتفاعاتها، لكن هناك شيء آخر، وهي الغوّاصات التي إذا ضربت السفينة هَلَكت هي ومن معها، ثم هل يُقال : إن غزو الجو أفضل من غزو البر، لأنه أخطر، كالسُّفن في الماء؟ الجواب : الظاهر نعم، وإن كان الإنسان قد يتوقف في مسألة الثواب ثواب الأعمال، لأن الثواب ليس فيه قياس، لكن إذا علمنا أن السّبب واحد، وهو خطورة القتال قلنا الغزو في الجو أفضل من الغزو في البر، لأن الجو خطِر جدّاً، لو يُخطئ قائد الطائرة بأقل خطأ هلك. وعلى كل حال نتخذ من هذا قاعدة : كلما كان الغزو أخطر، كان فضله أعظم، جزاءً وفاقاً، لأن الله تبارك وتعالى حَكَمٌ عدل.
وفي هذا الحديث : جواز مشاركة النساء في الغزو، لأن أم مِلْحان لمّا طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلها منهم، لم يقل لها النبي صلى الله عليه وسلم إنك لست منهم، بل دعا لها، وهذا إذا اضطرّ إليها لا شكّ في الجواز، وقد كانت النساء تخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم يُداوين الجرحى، ويسقين العطشى، أما القتال فليس عليهنّ قتال، ولهذا لما قالت عائشة : ( يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال : نعم، عليهنّ جهاد لا قتال فيه، الحجّ والعمرة ). فإن قال قائل : كيف جاز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يخلوا بهذه المرأة، وأنْ تفْلِيَ رأسه؟ وفلْيَ الرأس معناه : تتبع القمل، وإتلاف القمل، كان في الأول كثيراً جدًا لكثرة الأمراض في الناس، لكن الآن قلّ والحمد لله، على كل حال السؤال : كيف جاز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يخلو بتلك المرأة وأن تفلي رأسه؟ الجواب : جاز ذلك لأن المنع من خلوة الرجل بالمرأة علّته مفقودة تماماً في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا يجوز له أن يخلو بالمرأة، ويجوز أن تكشف وجهها أمامه، ولا حرج في هذا، ويجوز أن يتزوجها بالهبة. فله خصاص تتعلّق بالنساء، لأننا نعلم كمال عفّته صلى الله عليه وسلم وطهارته، ومعلوم أن القصّة هذه فيها خلوة، وفيها مُباشرة في فلي الرأس.
وفي هذا الحديث من الفوائد : أنه ينبغي للإنسان أن يُزيل عنه الأذى، وكذلك أسباب الأذى، يزيل هذا وهذا، أما الأذى: فإزالة القمل، وأما أسبابه : فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرجّل رأسه، وينظفه، ويدهنه، ويُلاحظه. وجاء في الحديث : ( من كان له شعرٌ فليُكرمه )، يعني : بالتنظيف، والترجيل، وما أشبه ذلك، والدين الإسلامي دين نظافة، ولا ينبغي للإنسان أن يتقصّد فيه الشّعَث، والغَبَر، لكن لو أنه حصل ذلك بغير قصد فإن هذا لا بأس به، كما قال عليه الصلاة والسلام :( رُبَّ أشعثَ أغْبَر مدْفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبرّه ) وقال عليه الصلاة والسلام : ( تعِسَ عبد الدّينار، تعِس عبد الدّرهم، تعِسَ عبد الخميصة، - يعني ثياب الزينة -، تعس عبد الخَميْلة - الفُرُش الزينة-، تعِس وانتكس، وإذا شيكَ فلا انتَقَش، إن أعْطي رضي، وإن لم يُعط سخِط ، طوبى لعبدٍ آخذٍ بعِنان فرسه ي سبيل الله، إنْ كان في السّاقة كان في السّاقة )، وذكر شيئاً آخر، أشعثَ رأسه، مُغْبَرَّةٍ قدماه، لأن هذا ضرورة، أما أن يتقصّد الإنسان يذهب يمرغ رأسه في التراب ويقول : أنا أشعث أغبر، لو أقسمت على الله لأبرّني! هذا غير صحيح شوف المرأة هذه ترجمتها عندك.
القارئ : قال النووي : " أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واختلفوا في كيفية ذلك فقال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ كَانَتْ إِحْدَى خَالَاتِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ كَانَتْ خَالَةً لِأَبِيه ِأو لجده لأن عبد المطلب كانت أمه من بني النجار ".
الشيخ : إذن الإشكال الذي ذكرنا يزول، لكن له عليه الصلاة والسلام مواقف أخرى يخْلو فيها بالنساء، ولكنه كما قلنا : العلة في المنع من الخلوة هو خوف الفتنة، والفاحشة، فهي داخلة في قوله تعالى : (( ولا تقربوا الزنا )) ، وبالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم هذا مفقودٌ غاية الفَقد.