تفسير قوله تعالى:" وجاء ربك والملك صفا صفا " وشرح أثر مالك في الإستواء حفظ
@ وذكر الله سبحانه وتعالى ما يكون في هذا اليوم فقال: (( وجاء ربك والملك صفًّا صفًّا )): أي صفًّا بعد صف، (( وجاء ربك )): وهذا المجيء هو مجيئه ـ عز وجل ـ لأن الفعل أسند إلى الله، وكل فعل يسند إلى الله فهو قائم به لا بغيره، هذه القاعدة في اللغة العربية، والقاعدة في أسماء الله وصفاته كل ما أسنده الله إلى نفسه فهو له نفسه لا لغيره، وعلى هذا فالذي يأتي هو الله عز وجل، وليس كما حرّفه أهل التعطيل حيث قالوا إنه جاء أمر الله، فإن هذا إخراج للكلام عن ظاهره بلا دليل، فنحن من عقيدتنا أن نجري كلام الله ، ورسوله على ظاهره وأن لا نحرف فيه. ونقول: إن الله تعالى يجيء يوم القيامة هو نفسه، ولكن كيف هذا المجيء؟ هذا هو الذي لا علم لنا به لا ندري كيف يجيء؟ والسؤال عن مثل هذا بدعة كما قال الإمام مالك ـ رحمه الله ـ حين سُئل عن قوله تعالى: (( الرحمن على العرش استوى ))، كيف استوى؟ سائل يسأل كيف استوى؟ كيف الاستواء؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء ـ يعني العرق ـ لشدة هذا السؤال على قلبه، لأنه سؤال عظيم سؤال متنطع، سؤال متعنت، أو مبتدع يريد السوء، ثم رفع رأسه وقال: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة "، الشاهد الكلمة الأخيرة ـ السؤال عنه بدعة ـ واعتبر هذا في جميع صفات الله فلو سألنا سائل قال: إن الله يقول: (( لما خلقت بيدي )). يعني آدم، كيف خلقه؟ كيف خلقه بيده؟ نقول: هذا السؤال بدعة، قال: أنا أريد العلم لا أحب أن يخفى علي شيء من صفات ربي فأريد أن أعلم كيف خلقه؟ نقول: نحن نسألك أسئلة سهلة هل أنت أحرص على العلم من الصحابة رضي الله عنهم؟ إما أن يقول نعم، وإما أن يقول لا، والمتوقع أن يقول لا. طيب، هل الذي وجهت إليه السؤال أعلم بكيفية صفات الله عز وجل أم الرسول عليه الصلاة والسلام؟ سيقول: الرسول، إذاً الصحابة أحرص منك على العلم والمسئول الذي يوجه إليه السؤال أعلم من الذي تسأله ومع ذلك ما سألوا، لأنهم يلتزمون الأدب مع الله عز وجل، ويقولون بقلوبهم وربما بألسنتهم إن الله أجل وأعظم من أن تحيط أفهامنا وعقولنا بكيفيات صفاته، والله عز وجل يقول في كتابه في الأمور المعقولة (( ولا يحيطون به علماً )). وفي الأمور المحسوسة: (( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار )). فنقول: يا أخي الزم الأدب، لا تسأل كيف خلق الله آدم بيده؟ فإن هذا بدعة، وكذلك بقية الصفات لو سأل كيف عين الله عز وجل؟ قلنا له: هذا بدعة، لو سأل كيف اليد؟ يد الله عز وجل قلنا: هذا بدعة وعليك أن تلزم الأدب، وأن لا تسأل عن كيفية صفات الله عز وجل. لما قال هنا في الآية الكريمة (( وجاء ربك )) وسأل كيف يجيء؟ ماذا نقول له؟ أجيبوا؟ نقول: هذا بدعة ـ هذه القاعدة التزموها ـ هذا السؤال بدعة، وكل إنسان يسأل عن كيفية صفات الله فهو مبتدع متنطع، سائل عما لا يمكن الوصول إليه، فموقفنا من مثل هذه الآية (( وجاء ربك )) أن نؤمن بأن الله سيجيء ولكن على أي كيفية ؟ الله أعلم. طيب، لو قال قائل: هل يحتمل أن يكون مجيئه كمجيء الإنسان؟ أو كمجيء الملك إلى مكان الاحتفال؟ الجواب: لا،هذا نعلم أنه لا يكون والدليل قوله تعالى: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )). فنحن نعلم النفي ولا نعلم الإثبات، أي نعلم أنه لا يمكن أن يأتي على كيفية إتيان البشر، ولكننا لا نثبت الكيفية وهذا هو الواجب علينا، وقوله: (( والملك )) " أل " هنا للعموم يعني جميع الملائكة يأتون ينزلون ويحيطون بالخلق، تنزل ملائكة السماء الدنيا، ثم ملائكة السماء الثانية وهلم جرا يحيطون بالخلق إظهاراً للعظمة، وإلا فإن الخلق لا يمكن أن يفروا يميناً ولا شمالاً لكن إظهاراً لعظمة الله وتهويلاً لهذا اليوم العظيم، تنزل الملائكة يحيطون بالخلق، وهذا اليوم يوم مشهود يشهده الملائكة والإنس والجن والحشرات وكل شيء (( وإذا الوحوش حشرت )). فهو يوم عظيم لا ندركه الآن ولا نتصوره لأنه أعظم مما نتصور. الأمر الثالث مما به الإنذار في هذا اليوم بعد أن عرفنا الأمر الأول وهو مجيء الله، ثم صفوف الملائكة