تفسير قوله تعالى:" يقول يا ليتني قدمت لحياتي " حفظ
يقول: (( يا ليتني قدمت لحياتي. فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد )): وهذا هو آخر سورة الفجر يقول الله عز وجل: (( يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى )): يعني إذا جاء الله في يوم القيامة، وجاء الملك الملائكة صفوفاً صفوفاً، وأحاطوا بالخلق، وحصلت الأهوال والأفزاع يتذكر الإنسان، يتذكر أنه وعد بهذا اليوم، وأنه أعلم به من قبل الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنذروا وخوفوا، ولكن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن ولو جاءته كل آية - والعياذ بالله -، حينئذ يتذكر لكن يقول الله عز وجل (( وأنى له الذكرى )) أين يكون له الذكرى في هذا اليوم الذي رأى فيه ما أخبر عنه يقيناً؟! والإيمان عن المشاهدة لا ينفع، الإيمان عن المشاهدة لا ينفع، لأن كل إنسان يؤمن بما شاهد، الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب (( الذين يؤمنون بالغيب )). فيصدق بما أخبرت به الرسل عن الله عز وجل وعن اليوم الآخر، في ذلك اليوم يتذكر الإنسان ولكن قال الله عز وجل: (( أنى له الذكرى )) أي بعيد أن ينتفع بهذه الذكرى التي حصلت منه حين شاهد الحق يقول الإنسان: (( يا ليتني قدمت لحياتي )) يتمنى أنه قدم لحياته وما هي حياته؟ أتظنون أنه يريد الحياة الدنيا؟ لا والله، الحياة الدنيا انتهت وقضت، وليست الحياة الدنيا حياة في الواقع، الواقع أنها هموم وأكدار، كل صفو يعقبه كدر، كل عافية يتبعها مرض، كل اجتماع يعقبه تفرق، انظروا ما حصل أين الآباء؟ أين الإخوان؟ أين الأبناء؟ أين الأزواج؟ هل هذه حياة؟ أبداً، ولهذا قال بعض الشعراء الحكماء: لا طيب للعيش مادامت منغصة *** لذاته بادكار الموت والهرم ، كل إنسان يتذكر أن مآله أحد أمرين: إما الموت، وإما الهرم، نحن نعرف أناساً كانوا شباباً في عنفوان الشباب عُمّروا لكن رجعوا إلى أرذل العمر، يَرقُ لهم الإنسان إذا رآهم في حالة بؤس، حتى وإن كان عندهم من الأموال ما عندهم، وعندهم من الأهل ما عندهم، لكنهم في حال بؤس، وهكذا كل إنسان إما أن يموت مبكراً، وإما أن يُعمّر فيرد إلى أرذل العمر فهل هذه حياة؟ الحياة هي ما بينه الله عز وجل: (( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان )) يعني لهي الحياة التامة (( لو كانوا يعلمون )). يقول هذا: (( يا ليتني قدمت لحياتي )) يتمني لكن ما يحصل (( أنى له الذكرى )).