تفسير قوله تعالى:" وأما من بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى " وذكر قصة وقعت بين الحافظ ابن حجر ورجل من اليهود حفظ
ولهذا قال: (( وأما من بخل )) فلم يعط ما أمر بإعطائه .(( واستغنى )) استغنى عن الله عز وجل، ولم يتق ربه، بل رأى أنه في غنى عن رحمة الله، نسأل الله العافية والسلامة. (( وكذب بالحسنى )) أي: بالقولة الحسنى، وهي قول الله، ورسوله. (( فسنيسره للعسرى )) ييسر للعسرى في أموره كلها، ولكن قد يأتي الشيطان للإنسان فيقول: نجد أن الكفار تيسر أمورهم فيقال: نعم. قد تيسر أمورهم، لكن قلوبهم تشتعل ناراً وضيقاً وحرجاً كما قال تعالى: (( ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء )). ثم ما ينعمون به فهو تنعيم جسد فقط، لا تنعيم روح، ثم هو أيضاً وبال عليهم لقول الله تعالى فيهم: (( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين )). وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ). وتلا قوله تعالى: (( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد )). وهؤلاء عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ومع ذلك فإن هذه الدنيا جنة لهم بالنسبة للآخرة. وقد ذكروا عن ابن حجر العسقلاني شارح البخاري بالشرح الذي سماه " فتح الباري " وكان قاضي القضاة بمصر، أنه مر ذات يوم وهو على عربته تجره البغال والناس حوله، مر برجل يهودي سمان يعني: يبيع السمن والزيت -وتعلمون أن بيّاع السمن والزيت تكون ثيابه وسخة وحاله سيئة-، فأوقف العربة وقال لابن حجر: إن نبيكم يقول: ( الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر )، فكيف أنا أكون بهذه الحال وأنت بهذه الحال؟ فقال له ابن حجر على البديهة: أنا في سجن بالنسبة لما أعدّ الله للمؤمنين من الثواب والنعيم، لأن الدنيا بالنسبة للآخرة ليست بشيء كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها )، وأما أنت - يقول لليهودي -: فأنت في جنة بالنسبة لما أعد لك من العذاب إن مت على الكفر فاقتنع بذلك اليهودي وصار ذلك سبباً في إسلامه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.