تفسير قوله تعالى:" إن علينا للهدى " وذكر أقسام الهداية حفظ
وقوله عز وجل: (( إن علينا للهدى )): فيه التزام من الله عز وجل أن يبين للخلق ما يهتدون به إليه. والمراد بالهدى هنا: هدى البيان والإرشاد فإن الله تعالى التزم على نفسه بيان ذلك حتى لا يكون للناس على الله حجة وهذا في قوله تعالى: (( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده )). إلى أن قال: (( رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )). انتبهوا يا إخوان: لا يمكن للعقل البشري أن يستقل بمعرفة الهدى، ولذلك التزم الله عز وجل بأن يبين الهدى له، للإنسان :(( إن علينا للهدى ))، وليُعلم أن الهدى نوعان: هدى توفيق : فهذا لا يقدر عليه إلا الله. هدى إرشاد ودلالة، فهذا يكون من الله، ويكون من الخلق: من الرسل ، من العلماء، كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )). أما هداية التوفيق فهي إلى الله لا أحد يستطيع أن يوفق شخصاً إلى الخير، كما قال الله تعالى: (( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )). وإذا نظرنا إلى هذه الآية الكريمة (( إن علينا للهدى ))، وجدنا أن الله تعالى بين كل شيء، بين ما يلزم الناس في العقيدة، وما يلزمهم في العبادة، وما يلزمهم في الأخلاق، وما يلزمهم في المعاملات، وما يجب عليهم اجتنابه في هذا كله. حتى قال أبو ذر رضي الله عنه: " لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً ". وقال رجل من المشركين لسلمان الفارسي: " علمكم نبيكم حتى الخراءة، قال: أجل علمنا حتى الخراءة ". يعني: حتى آداب قضاء الحاجة علمها النبي صلى الله عليه وسلّم أمته، ويؤيد هذا قوله تعالى: (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً )). (( وإن لنا للآخرة والأولى )) يعني: لنا الآخرة والأولى. الأولى متقدمة على الآخرة في الزمن، لكنه في هذه الآية أخرها فلماذا؟ نقول لفائدتين: الفائدة الأولى: معنوية. الفائدة الثانية: لفظية.أما المعنوية : فلأن الآخرة أهم من الدنيا، ولأن الآخرة يظهر فيها ملك الله تعالى تماماً. في الدنيا هناك رؤساء، وهناك ملوك، وهناك أمراء يملكون ما أعطاهم الله عز وجل من الملك، لكن في الآخرة لا ملك لأحد (( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار )). فلهذا قدم ذكر الآخرة من أجل هذه الفائدة المعنوية. أما الفائدة اللفظية: فهي مراعاة الفواصل يعني: أواخر الآيات كلها كما ترون آخرها ألف: (( والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى ))، ولو قال: إن لنا للأولى والآخرة، اختلفت رؤوس الآيات، فمن ثم قال: (( وإن لنا للآخرة والأولى )). هنا يتبين أن الله عز وجل قال: (( إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى )) فما الفرق؟ الفرق: أن الهدى التزم الله تعالى ببيانه وإيضاحه للخلق، أما الملك فهو لله ملك الآخرة والأولى، ولهذا قال: (( وإن لنا للآخرة والأولى )).