تفسير قول الله تعالى: (( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين )) حفظ
طيب يقول الله عز وجل: (( ولو شئنا )) نعم يقول المؤلف: وجواب لو لرأيت أمراً فظيعاً يعني جواب محذوف إذا قال قائل: ما هي الحكمة في حذف الجواب ولماذا لا يُذكر من أجل ألا يكون هناك اختلاف، وما هي الحكمة في الإبهام في قوله تعالى: (( فغشيهم من اليم ما غشيهم )) ولماذا لا يُذكر لأنه أبين؟ الجواب أنه في مقام التهويل ينبغي الإبهام لأجل أن يذهب الذهن كل مذهب في تعظيم الأمر وهوله، لأنه إذا ذكر الشيء قد يهون لو قيل لك والله فيه سبُع عظيم يأكل الناس ويفعل ويفعل ويفعل وهُوِّل لديك أنت ما شفته يكون عندك رعب لكن ربما إذا شفته يهون عليك الأمر كذلك مثل هذه الأمور العظيمة إذا أبهمها الله فإنها أعظم وأوقع في النفس وأشد وأعظم، ولهذا حُذف الجواب هنا وأبهم الغاشي في قوله:)) فغشيهم من اليم ما غشيهم ))، وأُبهمت الحاقة والقارعة في مثل (( الحاقة * ما الحاقة * وما أدراك ما الحاقة )) و(( القارعة* ما القارعة )) وما أشبه ذلك، كل هذا من باب التعظيم والتهويل.
قال: (( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها )) -اللهم اهدنا فيمن هديت- ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها فتهتدي بالإيمان والطاعة باختيارٍ منها، (( لو شئنا )) الخطاب الضمير يعود على الله عز وجل وأتى بضمير الجمع تعظيماً، فإذا قال النصراني: الآلهة ثلاثة ولهذا قال الله تعالى: (( ولو شئنا )) هنا للجمع جيبوا لنا دليل يُخرج هذا اللفظ عن معناها وإلا فالصواب معنا وأنتم أيها الموحدون على ضلال، وإلا لقال الله: (( ولو شئت )) ؟ فالجواب أن هذا من باب التشبيه والتلبيس، وإلا فارجع إلى قوله تعالى: (( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ))[البقرة:163] كم يصير؟ واحد فيكون لو شئنا للتعظيم، ولو شئنا من باب التعظيم، والله تعالى عظيم بصفاته كل صفة من صفاته تقتضي عظمة غير ما تقتضيه الصفة الأخرى، وباجتماع هذه الصفات يكون هناك عِظم أعظم وأجل كذلك ... (( ولو شئنا لآتينا )) أعطينا ولهذا نصبت مفعــــــــــــــولين المفـــــــــعول الأول
(( كل نفس )) والثاني: هداها، والهدى بمعنى الدلالة والتوفيق ولهذا قال: فتهتدي بالإيمان والطاعة ولو شاء الله تعالى لفعل كما قال تعالى في آية أخرى: (( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ ...))[هود:119] فالله تعالى لو شاء لجعل الناس أمة واحدة على الإيمان والتوحيد والاستقامة ولكنَّ حكمة الله تأبى ذلك لأسباب كثيرة منها أنه جل وعلا قال للنار: (( لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين )) (لأملأن) وهذا قسم وتعهد من الله عز وجل للنار أن يملأها لأملأن جهنم من الجنة، ولو كان الناس أمة واحدة على التوحيد صَدَق هذا ولّا ما صَدق؟ ما صدق، فإذن لا بد أن يصدق، ثانياً لو كان الناس على أمة واحدة على التوحيد هل يتميز المؤمن من الكافر؟ كلهم واحد ما فيه امتحان واختبار، ولو كان الناس أمَّة واحدة على التوحيد لانسَدَّ بابُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، السبب؟ ما فيه منكر يحتاج إلى نهي عن منكر، ولو كان الناس على أمة واحدة على التوحيد لبطل الجهاد ولّا لا من نجاهد؟ ما فيه أحد أمهم أن هناك حكم كبيرة في كون الله عز وجل جعل الناس إلى قسمين، ولهذا قال هنا: (( ولكن حق القول مني )) حَقَّ بمعنى وجب وثبت و(القول) فاعل و(مني) متعلق بمحذوف حالا من القول، ولكن حق القول صادرا مني، ما هذا القول؟ (( لأملأن جهنم من الجنة - الجن - والناس أجمعين )) نعم أملأها وهنا الفعل مؤكد بالنون وباللام وبالقسم المقدر والتأكيد هنا واجب نحوياً ولّا لا؟ واجب لأنه في قسم مثبت مستقبل لم يُفصل بينه وبين لامه فاصل، وقوله: (( لأملان جهنم )) جهنم هذا اسم من أسماء النار قيل إنها عربية والنون فيها زائدة وأنها من الجهم أو التجهم وهو الظلمة، وقيل إنها اسم معرب مو هو عربي لكنه معرب وعلى كل الأقوال فالمراد بها النار نسأل الله العافية، (( لأملأن جهنم من الجنة والناس )) الجنة الجن والناس بنو آدم أجمعين تُملأ من هؤلاء وهؤلاء وأيهما أكثر؟
الطالب: الله أعلم.
الشيخ : الله أعلم، لكن ظاهر القسمة أنهم سواء من الجنة والناس، طيب هل الجن... الآن من هذه الآية ومن آية أخرى أنهم يدخلون النار كما قال تعالى: (( قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ ))[الأعراف:38] يدخلون النار وهذا بإجماع المسلمين أن كافر الجن يدخل النار، مؤمن الجن هل يدخل الجنة ولّا لا ؟ اختلف فيهم العلماء والصواب أنهم يدخلون الجنة، قال تعالى: (( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح )) من أين؟ من الجن والإنس (( فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كذبوا بآياتي واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )) وقال تعالى: (( ولمن خاف مقام ربه جنتان )) ثم (( فبأي آلاء ربكما ... ))) يخاطب من؟ الجن والإنس فهذا دليل على أنهم يدخلون الجنة وكذلك قوله: (( لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان )) يدل على أنهم يدخلون الجنة وهذا الذي عليه جمهور أهل العلم، وقال بعضهم إنهم لا يدخلون الجنة لأن الذين ولوا إلى قومهم منذرين(( قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ))[الأحقاف:31] ولا قالوا يدخلكم الجنة فهذا يدل على أن المؤمن منهم يجار من العذاب الأليم فقط، فيقال: إن هذا استدلال بنص وترك نصوص، وما هكذا حال الإنسان الذي يوفق بين الأدلة، ثم إن مقام هؤلاء القوم مقام إنذار وتخويف (( ولوا إلى قومهم منذرين )) دون مبشرين فهو مقام إنذار وتخويف وهم إذا استقاموا وخافوا فإنهم لا شك أنهم يدخلون الجنة لأن من أجير من العذاب الأليم من المكلفين فلا بد أن يدخل الجنة إذ أن مآل الورى إلى الجنة أو النار وهذا القول هو الحق أن مؤمنهم يدخل الجنة وكافرهم يدخل النار والثاني بالإجماع ما فيه خلاف لأنه نص القرآن وهذا نص أو قريب من النص نعم .
الطالب :...