فوائد قوله تعالى : (( ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون * كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون )) . حفظ
ومن فوائد الآية الكريمة الثانية: (( ذلكم الله ربكم )) إثبات ربوبية الله عز وجل على كل شيء، أنه رب كل شيء، لقوله: (( ذلكم الله ربكم )).
ومن فوائدها الإشارة إلى وجوب طاعته وعبادته لقوله: (( ربكم )) وإذا كان هو الرب فهو السيد، وإذا كان هو الرب فهو الذي له السلطان، وإذا كان هو الرب فهو الذي له الحق أن يعبد، كل ما يثبت الربوبية فهو دليل على وجوب الإلوهية، ولهذا يستدل الله عز وجل على المشركين بكونهم يثبتون الربوبية وينكرون الإلوهية، فكل من أثبت الربوبية لزمه أن يثبت الألوهية، إذا توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، وتوحيد الإلوهية متضمن لتوحيد الربوبية إذ لا يمكن لأحد أن يعبد الله إلا ويعلم أنه رب أهل للعبادة.
ولهذا لو قال لك قائل: هل التوحيدان متلازمان ؟ فقل أما توحيد الربوبية فمستلزم لتوحيد الإلوهية، وأما توحيد الإلوهية فمتضمن لتوحيد الربوبية، طيب.
ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات خلق الله عز وجل لكل شيء، لقوله: (( خالق كل شيء )).
فلو قال قائل: استثنى العقل نفسه فليس خالقا لها، فهل يصح هذا القول ؟ لا، لأن نفسه لم تدخل أصلا، لأن هناك فاعلا ومفعولا، والفاعل لا يمكن أن يدخل في المفعول حتى يستثنى منه، فنحن نقول: إن الرب عز وجل لم يدخل في قوله: (( كل شيء )) أصلا في هذه الآية لأن الخلق أو إن شئت فقل: لأن المخلوق بائن من الخالق فلا يمكن أن يدخل الخالق في المخلوق حتى نقول استثنى العقل، والاستثناء إخراج الشيء من الشيء وهنا لم يدخل أصلا، طيب.
أقول: (( الله خالق كل شيء )) هل يصلح أن نقول: واستثنى العقل ذاته فليس خالقا لها ؟ نقول: لا، لماذا ؟ لأن الأصل أنه لم يدخل هو في أنه خالق كل شيء، يعني ما دخل في المخلوق هو فاعل وغيره مفعول، فهو لم يدخل أصلا حتى نقول أخرجوا ما يستطيع عقلك في هذا الباب.
استدل الجهمية والمعتزلة بأن كلام الله مخلوق، لأن كلام الله شيء فيكون داخلا في العموم، نقول: إذن يلزمكم أن تقولوا إن الله مخلوق لأن الله شيء، (( كل أي شيء أكبر شهادة قل الله )) إذن قولوا: إن الله مخلوق أيضا، فإن قالوا: لا يمكن أن نقول لأن الفاعل غير المفعول، قلنا وصفات الفاعل كالفاعل، الصفات يحذى بها حذو الذات، فإذا كان الرب عز وجل خالقا وغيره مخلوق فصفاته أيضا غير مخلوقة، فالقرآن ليس بمخلوق لأنه كلام الله، وكلام الله من صفاته، وصفات الله كلها غير مخلوقة، طيب.
فإن قال قائل: إن الخلق ثابت للعبد قال الله تبارك وتعالى : (( فتبارك الله أحسن الخالقين )) فأثبت أن هناك خالقين، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في المصورين: ( أحيوا ما خلقتم ) فأثبت أنهم خالقون، فالجواب: أن الخلق الثابت للباري عز وجل ليس كالخلق الذي أثبت للمخلوق، خلق المخلوق للشيء تحوليه من حال إلى حال، وليس إيجاده، فالنجار إذا صنع الخشبة بابا هل يقال إنه خلق الخشبة ؟ حولها من خشبة إلى باب ولم يخلقها، حتى لو قلنا أن صنعه هذا خلق فهو في الحقيقة بمعنى تغيير وتحويل وليس بمعنى الإيجاد، وقد تحدى الله عز وجل الأصنام التي تعبد من دون الله ويدعى أنها آلهة قال : (( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له )).
ومن فوائد الآية الكريمة: بناء توحيد الإلوهية على توحيد الربوبية لقوله بعد: (( الله خالق كل شيء )) (( لا إله إلا هو )) أي: لا معبود إلا هو، أي: لا تعبدوا إلا هو لقوله: (( لا إله إلا هو )).
من فوائد الآية الكريمة: إنكار التعجب على أولئك الذين صرفوا عن الحق مع وضوحه وبيانه لقوله: (( فأنى تؤفكون )).
ومن فوائد الآية الثالثة: أن المكذبين بآيات الله يصدر منهم ما يقضى به العجب لقوله: (( كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون )).
ومن فوائد الآية الكريمة: أن الذنوب تحول بين الإنسان وبين رؤية الحق، لأن هؤلاء لما جحدوا بآيات الله صرفوا عنه، وهذا واقع، الذنوب تحول بين الإنسان وبين رؤية الحق، قال الله تبارك وتعالى: (( إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين )) هل أحد يمكن أن يقول هذا القرآن العظيم أساطير الأولين ؟ يقول الله عز وجل: (( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )) من الأعمال السيئة حتى رأوا هذا الحق المنير فجعلوه أساطير، ولهذا يجب أن نعالج أنفسنا إذا رأينا أننا نقرأ القرآن وكأنه حروف تتلى نرجو بركتها وثوابها، إذا لم تأثر على القلب باللين والخشوع والرجوع إلى الله عز وجل فإن ذلك دليل على مرض القلب، وربما نقول على موت القلب نسأل الله العافية، كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين بآياته المتبعين لمرضاته.