التعليق على تفسير الجلالين : (( قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون )) تعبدون (( من دون الله لما جاءني البينات )) دلائل التوحيد (( من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين )). حفظ
وقوله: (( الذين تدعون من دون الله )) قال المفسر: " تعبدون (( من دون الله )) " وهذا أيضا فيه شيء من القصور، والصواب أن المراد: (( تدعون )) أي تعبدون وتسألون، لأن من المشركين من يسألون أصنامهم، ويتذللون لها بالسؤال، فهي أعم مما ذكره المفسر رحمه الله تعالى. (( نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله )) وقوله: (( من دون الله )) أي: من سوى الله.
وقوله: (( لما جاءني البينات من ربي )) لما: ظرف زمان بمعنى حين، ولما: تأتي في اللغة العربية على أربعة أوجه:
الوجه الأول: أن تكون بمعنى حين كما في هذه الآية.
والوجه الثاني: أن تكون بمعنى إلا كما في قوله تعالى : (( إن كل نفس لما عليها حافظ )) معنى: (( لما عليها حافظ )) إلا عليها حافظ.
والمعنى الثالث: أن تكون حرف جزم كقوله تعالى : (( بل لما يذوقوا عذاب )) أي: بل لم يذوقوا عذابي ولكنه قريب.
المعنى الرابع: أن تكون حرف وجود لوجود، كقولك: لما جاء زيد جاء عمرو، نعم ...
(( لما جاءني البينات من ربي )) أي: حين جاءني، والبينات صفة لموصوف محذوف للعلم به، والتقدير: الآيات البينات، قال المفسر: " دلائل التوحيد " والمعنى أعم مما قال رحمه الله تعالى، بل هي دلائل التوحيد ودلائل القدرة ودلائل السمع والبصر وغير ذلك، المهم أنه جاءه البينات من الله عز وجل، وأنتم ترون في القرآن العزيز كلمة البينات دائما محذوف موصوفها وذلك للعلم به، والشيء المعلوم يجوز حذفه كما قال ابن مالك في الألفية: " وحذف ما يعلم جائز ". وهذه قاعدة عامة في كل شيء ليس في المبتدأ والخبر فقط.
وقوله: (( من ربي )) متعلق بجاء، أي: جاءني من الله عز وجل، ولكنه ذكره باسم الربوبية لأن هذه ربوبية خاصة يربي بها الله عز وجل أنبياءه ورسله، (( وأمرت )) مقابل نهيت، نهيت أن أعبد (( وأمرت أن أسلم لرب العالمين )) من الآمر ؟ الله. والأمر: " طلب الفعل على وجب الاستعلاء بصيغة افعل أو غيرها مما يدل على الأمر ".
وقوله: (( أن أسلم )) أن: مصدرية، وأسلم: فعل مضارع منصوب بها. ومعنى أسلم: أستسلم لرب العالمين، والمراد بالإسلام هنا الإسلام الشرعي، لأنه هو الذي بطاقتنا، وهو الذي يمكن أن نفعله أو لا نفعله، وهو الذي لا يكون إلا من المؤمن، أما الإسلام الكوني فليس بطاقتنا، ولا يمكننا أن ندافعه، ويكون من المؤمن والكافر، إذا يتبين لنا أن الإسلام يأتي على وجهين، أو له معنيين:
المعنى الأول: الإسلام الكوني، والثاني: الإسلام الشرعي، الإسلام الكوني القدري، والثاني الإسلام الشرعي الديني، فمن الأول قوله تعالى : (( أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون )) الإسلام هنا كوني، لأنه قال: (( طوعا أو كرها )) والإسلام الشرعي لا يكون بالإكراه، والإسلام الشرعي لا يكون عاما لكل شيء، فالإسلام هنا كوني قدري، وهنا قوله: (( أن أسلم )) المراد به الإسلام الشرعي الديني، يعني أن أسلم: أي أستسلم تعبدا وتذللا لله عز وجل.
وقوله: (( لرب العالمين )) نقول فيها ما قلنا في الآية السابقة، لكن لو قال قائل: لماذا لم يقل أن أسلم لله ؟ قلنا ليكون ذلك دليلا على وجه الإسلام، يعني لماذا أسلمت ؟ لأن الله رب العالمين، ورب العالمين أحق أن يسلم له وأن يتعبد له عز وجل، فهو كالدليل للحكم السابق الذي هو الإسلام .