الكلام على مسألة ما الأصل الذي يفيده الأمر .؟ حفظ
في هذه الآية الكريمة وجوب الصبر لأن الله تعالى أمر به في قوله: (( فاصبر )) ووجه كونه واجبا لأن الأصل في الأمر الوجوب.
وهذه المسألة اختلف فيها الأصوليون هل الأصل في الأمر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الوجوب أو الأصل الندب ؟
إن قلنا: الأصل الوجوب كان هذا المأمور به ملزما به، وإذا قلنا الندب صار الإنسان بالخيار، إن فعله فهو خير وإن تركه فلا شيء عليه، وهذا عند التطبيق محل إشكال، وعند التدليل أيضا فيه نظر، وهذه مسألة من أصول الفقه نبحثها ...
الأصوليون اختلفوا في الأمر هل هو للوجوب أو الندب ؟ والمراد الأمر المطلق المجرد عن القرينة، أما ما دلت عليه القرينة فالأمر فيه واضح، إن دلت على الوجوب فهو واجب، وإن دلت على الاستحباب فهو مستحب، وإن دلت على الإباحة فهو مباح، وإن دلت على التهديد فهو للتهديد: (( اعملوا ما شئتم )) المعنى ؟ التهديد، (( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )).
لكن المراد الأمر المجرد عن كل قرينة هل هو للوجوب أو للاستحباب ؟ من العلماء من قال أنه للوجوب، ولهم أدلة، ومنهم من قال أنه للاستحباب ولهم أدلة.
القائلون بالوجوب يستدلون بمثل قوله تعالى : (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) قالوا هذا يدل على الوعيد فيمن خالف أمر الله عز وجل، فيدل إذن على أن الأمر للوجوب، وقالوا أيضا إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أمرتكم به فاتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه ) وهذا أيضا يدل على الوجوب لأنه قال: ( ائتوا ما استطعتم ) ومثل هذا التعبير إنما يكون في الواجب ( وما نهيتكم عنه فاجتنبوه ) ولأنه يقبح عادة أن يقول السيد لعبده افعل كذا ثم يخالفه، فتكون مخالفة الأمر قبيحة والقبيح منهي عنه مكروه.
أما القائلون بأن الأصل في الأمر الاستحباب فيقولون: إن كونه مأمورا به يدل على فعله، والأصل براءة الذمة، فلا نأثم الإنسان إذا ترك ما أمر به إلا بدليل، ولأننا وجدنا مسائل كثيرة وأدلة كثرة فيها الأمر أجمع العلماء على أنها للاستحباب، وهذا يوهن القول بأن الأمر للوجوب.
توسط قوم فقالوا: إذا كان الأمر في عبادة فهو للوجوب وإذا كان في آداب فهو للاستحباب، وهذا أقرب من الإطلاق بأنه للوجوب أو الإطلاق بأنه للاستحباب، يعني هذا التفصيل هو أقرب ما يكون ومع هذا فليس بمنضبط، بل قد تأتي أوامر في الآداب وهي واجبة.
فعلى كل حال نقول: أقرب ما يقال في هذه المسألة أن الأصل في الأوامر في التعبد الوجوب لأنا خلقنا للعبادة وأمرنا بها فنتعبد، والأصل في الأوامر في غير العبادة كالآداب مثلا هذا للاستحباب، ومثل ذلك يقال في النهي هل هو للتحريم أو للكراهة.