تتمة تفسير قوله تعالى : (( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون )) . حفظ
الشيخ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تبارك وتعالى : (( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم )) ذكرنا في هذا التركيب أفلم يسيروا وما أشبهها إعرابين ؟ يقدر المحذوف بحسبه، الوجه الثاني ؟ ... وتكون الجملة معطوفة على ما سبق.
الثاني أسهل لأن الأول قد يتعسر تقدير المحذوف، فأما هذه فهي سهلة ليس فيها سوى مجرد زحلقة الفاء عن موضعها.
وقوله: (( أفلم يسروا في الأرض )) أي على الأرض، لأن في للظرفية، ولو جعلنا في للظرفية في هذا السياق لكان معنى الآية : أن يدخلوا في جوف الأرض، وهذا غير مراد قطعا، فتكون في بمعنى على كقوله تعالى : ((أأمنتم من في السماء )) أي من على السماء، وليس المراد أن الله في جوف السماء، لأن ذلك مستحيل، وقد وسع كرسيه السماوات والأرض، وقوله: (( أفلم يسيروا في الأرض )) يشمل السير بالقدم والسير بالقلب، أما السير بالقدم فمعروف، وأما السير بالقلب فمعناه أن يتفكر الإنسان فيما مضى من تاريخ الأمم، وأصح مرجع نرجع إليه فيما مضى من سير الأمم هو القرآن الكريم.
وقوله: (( فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم )) هذه معطوفة على يسيروا، يعني أن الله وبخهم على أمرين: عدم السير وعدم النظر، فهم لم يسيروا ولم ينظروا (( فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم )) والنظر هنا هل هو نظر البصيرة أو البصر ؟ إن قلنا أن قوله: (( يسيروا )) سير القدم فالنظر نظر البصر، وإن قلنا يسيروا سير القلب فالنظر نظر البصيرة، (( كيف كان عاقبة الذين من قبلهم )) أعربنا كيف على أنها خبر مقدم لكان، وهنا يتعين التقديم، لأن كيف اسم استفهام والاستفهام له الصدارة، فعليه تكون خبرا مقدما لكان، وعاقبة اسمها (( عاقبة الذين كانوا من قبلهم )) يعني من الأمم. فما هي العاقبة ؟ العاقبة أشار الله إليها في سورة القتال في قوله تعالى : (( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ))
ثم شرح الله حال أولئك السابقين فقال: (( كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض )) أكثر منهم عددا، وكثرة العدد توجب القوة في الكمية، وأشد منهم قوة هي القوة بالكيفية ثم قال : (( وآثارا في الأرض)) يعني من العمران والقصور وغيرها، ومع ذلك لم تنفعهم هذه الكثرة ولا هذه القوة، يقول: " من مصانع وقصور " هذه تفسير لقوله: (( وآثارا في الأرض )).
(( فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون )) ما أغنى: ما يحتمل أن تكون نافية، أي: فلم يغني عنهم ما كسبوا، ويحتمل أن تكون استفهامية، والمعنى: فما الذي أغنى عنهم ؟ والاستفهام هنا أشد وقعا لأنه مشرب بالتحدي، أي شيء أغنى عنهم ؟ الجواب: لا شيء، (( فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون )) أي ما كانوا يكسبون من القوة والآثار في الأرض وغير ذلك، لأن الله تعالى دمرهم ودمر قوتهم.