وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه: أن غلاماً لأناسٍ فقراء قطع أذن غلامٍ لأناسٍ أغنياء فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لهم شيئاً . رواه أحمد والثلاثة بإسنادٍ صحيحٍ. حفظ
الشيخ : ثم قال المؤلف في درس الليلة ، ونقل : " عن عمران بن حصين رضي الله عنه : ( أنَّ غلاماً لأناسٍ فقراء قطع أُذن غلامٍ لأناسٍ أغنياء ، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يجعل لهم شيئاً ) . رواه أحمد والثلاثة بإسنادٍ صحيحٍ " :
( أن غلامًا ) : والغلام يطلق على الصغير الذي لم يبلغ ، ( لأناس فقراء ) : أي : معوزين ، والفقراء : " جمع فقير والفقير هو خالي اليد من المال " ، وسمي بذلك لموافقته في الاشتقاق الأكبر للقفر وهي الأرض الخالية من النبات ، فالفقير أو الفقر هو الخلو .
وقوله : ( قطع أذن غلام لأناس أغنياء ) : نقول في الغلام كما قلنا في الغلام الذي قبله .
وقوله : ( قطع ) : ظاهره أن القطع كان عمدا لأنه لم يقيد ، والأصل في الأفعال إذا لم تقيد أن تكون صادرة عن قصد وإرادة .
( فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يجعل لهم شيئاً ) : لم يجعل للأغنياء شيئا على الفقراء ، ولم يبيَّن في الحديث سبب هذا الحكم وهو أنه لم يجعل للأغنياء شيئا .
فقيل : لأن هذا الصبي كان يدافع عن نفسه ، يدافع عن نفسه ولد الأغنياء فقطع أذنه دفاعا عن نفسه ، والمدافع عن نفسه لا يلزمه شيء .
وقيل : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يجعل لهؤلاء الأغنياء شيئا ، لأن الدية في هذه الصورة تجب على العاقلة ، فإن العاقلة تحمل ما زاد عن ثلث الدية ، والدية هنا على العاقلة لتعذر القصاص من الغلام ، لكونه غير بالغ ، فإذا تعذر القصاص منه وجبت الدية ، وإذا وجبت الدية فإنه يكون مجراها مجرى الخطأ تجب على العاقلة ، والعاقلة الآن فقراء فلذلك أسقط النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنهم الدية .
وهل تسقط الدية عن العاقلة إذا كانوا فقراء مطلقا أو تجب في بيت المال ؟ الحديث هذا لم يبين ، ومن ثمّ اختلف العلماء في تخريجه ، وهو لا يخلو إما من باب الدفاع عن النفس ، وإما أن يكون من باب تحميل العاقلة لهذه الجناية ، وإذا كانت العاقلة فقراء فإنه يسقط ما يجب عليهم ، لأنه يشترط في تحمل العاقلة أن يكون العاقل غنيا .