فوائد حديث : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده ... ) . حفظ
الشيخ : في هذا الحديث دليل على فوائد:
منها استحباب هذا الدعاء في الركوع والسجود.
فإن قال قائل: أما السجود فواضح لأن السجود محل دعاء، لكن الركوع أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( الركوع عظموا فيه الرب والسجود أكثروا فيه من الدعاء ) ؟
فالجواب: بلى ولكن دعاء الله لا ينافي تعظيمه، ويكون هذا الذكر أو هذا الدعاء مستثنى، فيقال: ادعوا بهذا في الركوع كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويكون هذا مستثنى من قوله : ( عظّموا فيه الرب والسجود ادعوا فيه ) .
ومن فوائد هذا الحديث: كمال الله عز وجل في صفاته لكونه تنزّه عن كل نقص، واتصف بكل كمال، فمن أين يؤخذ هذان من قوله : ( سبحانك اللهم )، هذا التنزه عن كل نقص.
والثاني ثبوت صفات الكمال من قوله: ( وبحمدك ) .
ومن فوائد هذا الحديث: طلب النبي صلى الله عليه وسلم من ربه أن يغفر له كما أمره الله (( واستغفره )) .
وفي هذا إشكال وهو: أن الله تبارك وتعالى أنزل على نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (( إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك )) :
والفتح قد حصل، فيكون المعلول حاصلا وهو المغفرة ، فكيف يدعو بالمغفرة ؟
فالجواب: أن هذا من باب كمال التذلل من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لله عز وجل، وأن هذا من باب التأكيد لما ثبت، والتوكيد لما ثبت أمر معلوم في اللغة العربية .
فإن قال قائل: لعل هذا من باب تعليم الأمة وليس مقصودا لذاته فالجواب هذا جواب سخيف إذ كيف يشرع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا في صلاته من أجل التعليم مع أنه يمكن أن يعلم الناس بالقول، ويقول: استغفروا الله كما أمرهم بهذا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا الجواب أعني: أن المقصود بذلك التعليم دون التعبد به جواب كما قلت لكم سخيف، وقد أجاب به من قال: إن الإنسان بعد الصلاة لا يجهر بالذكر، وقال: إن جهر النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر بعد الصلاة من أجل تعليم الناس، هذا خطأ، ومغالطة، إذ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم يمكنه أن يعلم الناس بالقول دون أن يشرع شيئا في العبادة .
من فوائد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يقع منه ما يحتاج إلى المغفرة، لقوله: ( اللهم غفر لي ).
فهل يعني ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم تجوز عليه الذنوب ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : الجواب : نعم لكن هناك ذنوبا لا يمكن أن تقع من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، هو كل ما ينافي كمال المروءة أو كمال الرسالة ، هذا ممنوع مطلقاً ، فالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام يُمنعون مما يخل بالمروءة والآداب مثل الزنا اللواط السرقة وما أشبه هذا ، هذا هم معصومون منه ، معصومون أيضا مما يخل بالرسالة كالكذب والخيانة ، الكذب ينافي الرسالة لأن الكاذب ليس أهلا للصدق .
الخيانة أيضا تنافي الرسالة إذ أن الخائن لا يمكن أن يوثق بقوله ، أما الذنوب الأخرى التي تقع عن اجتهاد فهذه تقع ، وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( عفا الله عنك لما أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين )) .
فقال: (( عفا الله عنك )) قدم العفو قبل ذكر الذنب.
وقال الله عز وجل: (( يا أيها النبي لما تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم )) فبين الله أن هذا ذنب لكنه غفر، بقوله: (( والله غفور رحيم )).
ومن ذلك أن الله تعالى قال: (( استغفر لذنبك وللؤمنين والمؤمنات )) فصرّح أن له ذنبا وكذلك للمؤمنين والمؤمنات.
وأما قول من يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ( اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله علانيته وسره ) فالمراد ذنب أمته ، فنقول: هذا من باب تحريف الكلم عن مواضعه، ونقول: أأنتم أعلم برسول الله من رسول الله ؟
سيقولون: لا، لسنا أعلم، إذن كيف ينسب إلى نفسه ذنبا وهو لا يفعل الذنب ؟!
وهذا لا شك أنه لو كان لكان جناية على نفسه عليه الصلاة والسلام، إذ ينسب هذا الذنب وهي لم تذنب.
فإذا تقرر هذا فاعلم أن الرسل معصومون من الاستمرار في الذنب بمعنى أنه لابد أن يتوبوا إلى الله إما بانتباه من أنفسهم وإما بتنبيه من الله وبهذا يحصل الفرق بينهم وبين سائر المؤمنين ، فالمؤمن غير معصوم من الاستمرار في المعصية ، لكن الرسل معصومون ، وبهذا يحصل الفرق بين الذنوب التي تقع من المؤمنين ومن النبيين.
ثم اعلم أيضًا أن الإنسان قد يكون الذنب له بمنزلة صقل الثوب وغسله حيث يخشى من الله عز وجل ويرى الذنب أمام عينه ويجد نفسه مستحيياً من الله تبارك وتعالى فينيب إليه ويزداد رغبة في الوصول إلى مرضاته بخلاف الإنسان الذي لم يشعر بالتقصير يمشي على ماهو عليه، ولهذا لما أكل آدم عليه السلام من الشجرة وأخرجه الله من الجنة قال الله تعالى فيه: (( وعصى آدم ربه )) إيش؟
(( فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى )) فكان الاجتباء بعد المغفرة، جرّب هذا تجد إذا أذنبت ذنبا وجدت نفسك منكسرة منهزمة أمام الله عز وجل، فتكثر من العمل الصالح وتزداد رغبة فيما عند الله، فيكون هذا الذنب سببا لصقل القلب وتطهيره، ويكون الإنسان بعد التوبة خيرًا منه قبل التوبة.