وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال : ( اللهم ربنا لك الحمد ، ملء السماوات والأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد من الجد ) . رواه مسلم . حفظ
الشيخ : الحمد لله ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين :
انتهينا من الكلام على حديث أبي هريرة شرحه وفوائده ، فنبدأ الآن بحديث: " أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ( كان رسول صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) " : يقول: ( كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا لك الحمد )، وأما حين رفعه فيقول: سمع الله لمن حمده، ولم يشأ أبو سعيد رضي الله عنه أن يقول ذلك لأنه يريد أن يبين الذكر الذي يكون بعد القيام للركوع، وسبق الكلام على قوله : ( اللهم ربنا لك الحمد ) وبيّنا أن السنة وردت في هذا على كم؟
الطالب : أربعة مواضع.
الشيخ : أربعة أوجه .
قال: ( ملء السماوات الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ) : ملء الشيء ما ملأه والسماوات كما نعلم سبعة واسعة عظيمة، كما قال عز وجل: (( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون )) .
وملء الأرض : يعني الأراضين السبع كلها .
واختلف العلماء في معنى ملء :
فقيل المعنى: أنه لو كانت أجساما لملء السماوات والأرض، وهذا فيه نظر، لأنه إذا كان أجساما فسوف يحصل فرق عظيم في الكمية، أليس كذلك؟
لأن الأجسام الكبيرة يقل عددها إذا ملأت السماوات والأرض والصغيرة يكثر عددها، وهذا يختلف اختلافا كثيرا في الكمية، وإذا كنا نريد أن يكون كتلة واحدة ما احتاج أن يقول: لو كان أجساما لملء ذلك، فإذا كنا نقدر أن هذا الحمد أجسام متفرقة لزم من ذلك أن تختلف الكمية اختلافا كثيرا أرأيت حب البر تضعه في الفنجان يكون عدده كم ؟
الطالب : كثير.
الشيخ : قل خمسمئة حبة ، لكن حب الحمص يكون أقل من هذا بكثير ، وإن جعلتها كتلة واحدة لا تقل أجساما قل: كتلة كالهواء ملأت هذا.
وقيل: المعنى ملء السماوات والأرض، المعنى أن حمد الله عز وجل مالئ للسماوات والأرض لأن كل ما في السماوات والأرض فهو مخلوق لله عز وجل وقد حمد الله نفسه على خلق السماوات والأرض فقال: (( الحمدلله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور )) وعلى هذا فالمعنى ملء السماوات أن حمد الله عز وجل شامل لكل ما في السماوات والأرض، لأنه خلقه وهو سبحانه وتعالى محمود على خلقه، وهذا أقرب إلى المعنى: أنه لعظم هذا الحمد كان شاملا لكل ما في السماوات والأرض .
قال: ( وملء ما شئت من شيء بعد ) : هل الله شاء شيئا بعد هذا ؟
نعم شاء شيئا قبل السماوات والأرض ويشاء شيئا بعد السماوات والأرض، أما ما بعد السماوات والأرض فمعروف: الجنة والنار، وما قبل السماوات والأرض: نعرف بعضه ولا نعرف بعضه ، ولكن كلمة بعد ألا تعيّن أن يكون المراد ما بعد فناء السماوات والأرض؟
الجواب: البعدية تكون باعتبار الزمن، وعلى هذا تكون بعد أي: بعد فناء السماوات والأرض، وتكون بمعنى الحال، البعدية تكون بمعنى الحال أو بمعنى وراء أو بمعنى سوى فيكون: ( ما شئت من شيء بعد ) أي: بعد السماوات والأرض السابق واللاحق وهذا هو الأصح لأن هذا أعم .
( أهلَ الثناء والمجد ) بفتح اللام أو بضم اللام ؟
الطالب : بالفتح.
الشيخ : هي الآن مكتوبة عندنا بالفتح على أنه منادى والأصل: يا أهل الثناء والمجد، ويجوز الرفع من حيث الإعراب والمعنى أيضا ويكون المعنى: أنت أهل الثناء والمجد.
لكن الأول أبلغ، مناداة الله عز وجل ووصفه بهذا أبلغ، لأن النداء به يتضمن الإقرار به والنداء به والخبر فقط يتضمن إيش؟
الإقرار فقط، أهل الثناء يعني: أنك يا ربنا أهل للثناء.