الشيخ : يبقى عندنا الجمع بين ما ورد مجموعًا وما ورد مثنًى هذا أيضًا الجمع بينهما سهل ، فيقال : إن قلنا بأن أقل الجمع اثنان فلا تعارض إطلاقًا ، لأننا نحمل الجمع على أقل مدلوله ، وإن قلنا أن أقل الجمع ثلاثة فالجمع هنا يراد به التعظيم ، والجمع يرد بالتعظيم حتى في المفرد ، فنحن مثلًا ضمير للجمع ، وقد يعبر به الإنسان عن نفسه وهو واحد ، فنقول هذا الجمع الذي ورد إذا لم نقل إن أقل الجمع ثلاثة هو للتعظيم ولهذا لم ترد (( أيد )) مجموعة إلى مضافة لضمير الجمع (( أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعامًا )) وبهذا يزول الإشكال ، وتستقر العقيدة على أن لله تعالى يدين اثنتين بدون زيادة لقول الله تعالى : (( بل يداه مبسوطتان )) والسياق في بيان عظم هذه الصفة ، ولو كان لله أكثر من يدين لذكر ذلك فدل هذا على أن عقيدتنا مبنية على أن لله يدين اثنتين فقط. فإن قال قائل : أيما أشرف الإنسان أو البعير ؟ الإنسان ، الإنسان ما عدا آدم مخلوق بالكلمة ، والبعير يقول الله عز وجل : (( مما عملت أيدينا )) فأضافها الله عز وجل إلى يده ، ومعلوم أن ما خلقه الله بيده أشرف مما خلقه بالكلمة ، لأن الله قال لإبليس : (( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي )) وهذا يدل على أن خلق الله بيده له ميزة فالجواب : أن قوله : (( مما عملت أيدينا )) لا يدل على أن الله خلقها بيده ، لأن هناك فرقا بين أن تقول : خلقت هذا بيدي ، أو : كسبته يداي مثلًا ، وذلك لأن قوله : (( مما عملت أيدينا )) مثل قوله : مما عملنا والدليل على هذا (( أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا )) فمعناه : مما عملناه والعرب تضيف الكسب إلى اليد والمراد من ؟ صاحب اليد وتضيف العمل إلى اليد والمراد صاحب اليد ، لأن غالب العمل يكون باليد. وعليه فنقول : هذه البهائم خلقت بالكلمة ولا خلقت باليد ؟ خلقت بالكلمة ، ولم تخلق باليد. وقد علمتم الآن أن الذي بلغنا أن الله خلق آدم بيده ، وكتب التوراة بيده ، وغرس جنة عدن بيده.
إذا قلنا أن الله خلق الأنعام بيده كما في الآية فهل البشر كذلك لكونهم أفضل منهم.؟
السائل : ... محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من الأنعام ؟ الشيخ : لكن محمد من سلالة من خلق باليد. السائل : ... ؟ الشيخ : كل البشر، ولهذا البشر أفضل من الأنعام حتى في الخلق.
كيف الجمع بين :( لما خلقت بيدي ) يريد آدم وبين قوله تعالى:( إنما مثل عيسى عند الله كمثل آدم ) .؟
السائل : كيف الجمع بين قوله تعالى : (( لما خلقت بيدي )) يعني آدم وبين قوله تعالى : (( إنما مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون )) ؟ الشيخ : لأن أول ما خلقه من الطين ، كتلة من الطين، ثم نفخ فيه من روحه وقال له كن فكان لا ما مثل خلق آدم خلقه بالكلمة، نزل جبريل ونفخ فيه الروح التي تكون الجسد هذا من جهة لأن النصارى يقولون : إن عيسى خلق من غير أب، وهذا يدل على أنه ابن الله، فأراد الله أن يبين أن هذا ليس بلازم، فهذا آدم ليس له أب ولا أم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون.
قوله تعالى:( تبارك الذي بيده الملك ) هل يقال في قبضته.؟
السائل : قوله تعالى : (( تبارك الذي بيده الملك )) هل يقال ... ؟ الشيخ : قد يقع بينهما خلاف في هذا ، لكن من قال بيده أي بقبضته ولم يثبت اليد فهذا خلاف مذهب السلف ، ومن قال بقبضته مع إثبات اليد فهذا ليس ببعيد.
حدثنا أبو كريب حدثنا عبيد الله الأشجعي عن عبد الملك بن أبجر قال سمعت الشعبي يقول سمعت المغيرة بن شعبة يقول على المنبر إن موسى عليه السلام سأل الله عز وجل عن أخس أهل الجنة منها حظا وساق الحديث بنحوه
القارئ : حدّثنا أبو كريبٍ ، حدّثنا عبيد الله الأشجعيّ ، عن عبد الملك بن أبجر ، قال : سمعت الشّعبيّ ، يقول : سمعت المغيرة بن شعبة ، يقول على المنبر : ( إنّ موسى عليه السّلام سأل الله عزّ وجلّ عن أخسّ أهل الجنّة منها حظًّا ) ، وساق الحديث بنحوه. الشيخ : على كل حال كلمة ( أخس ) أشد على السامع من كلمة ( أدنى ) فلعل الراوي رواها بالمعنى ، وأن السؤال الذي وقع من موسى عليه السلام بلفظ ( أدنى ) لأنه أخف على السمع من كلمة ( أخس ) وإن كان خسيس من الداني لكن أحيانًا تكون نبرات اللفظ مستبشعة ومنفرة.
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة وآخر أهل النار خروجا منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صغار ذنوبه فيقال عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه فيقال له فإن لك مكان كل سيئة حسنة فيقول رب قد عملت أشياء لا أراها ههنا فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه
القارئ : حدّثنا محمّد بن عبد الله بن نميرٍ ، حدّثنا أبي ، حدّثنا الأعمش ، عن المعرور بن سويدٍ ، عن أبي ذرٍّ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّي لأعلم آخر أهل الجنّة دخولًا الجنّة ، وآخر أهل النّار خروجًا منها ، رجلٌ يؤتى به يوم القيامة ، فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه ، وارفعوا عنه كبارها ، فتعرض عليه صغار ذنوبه ، فيقال : عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا ، وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا ، فيقول : نعم ، لا يستطيع أن ينكر وهو مشفقٌ من كبار ذنوبه أن تعرض عليه ، فيقال له : فإنّ لك مكان كلّ سيّئةٍ حسنةً ، فيقول : ربّ ، قد عملت أشياء لا أراها ها هنا فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتّى بدت نواجذه ). الشيخ : هذا موجب للضحك ، يستر الله عليه ، ثم يقول عندي أشياء لا أراها هنا.
أليس في الحديث شاهد لقوله تعالى:( يبدل الله سيئاتهم حسنات ) وأنه حقيقي.؟
السائل : هذا ما يدل على ما يشهد لقوله تعالى : (( ومن تاب وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات )) أن التبديل ليس أنه يوفق لعمل صالح بدل السيئات ، وإنما نفس السيئات تقلب إلى حسنات ؟ الشيخ : هذا في غير التائب ، لأنه يقرر بهذا الذنب ، ولو تاب منه محي ولا حوسب عليه.
قوله :( لك مثله وعشرة أمثاله ) هل المراد إحدى عشرة.؟
السائل : بارك الله فيكم قوله : ( هذا لك وعشرة أمثاله ) ... ؟ الشيخ : قد يكون هذا وتكميل عشرة أمثال ، ظاهر اللفظ كما قلت أن له هذا وله عشرة أمثاله مضافة إليه تكون إحدى عشر لكن فيه احتمال قوي يعني لك هذا وتكميل عشرة أمثاله.
ما معنى قوله:( فيقول رب قد عملت أشياء لا أراها ههنا ) .؟
السائل : آخر أهل الجنة دخولا وآخر أهل النار خروجا ... لم ير ذنوبه ؟ الشيخ : الكبار هو الآن عرضت عليه الذنوب الصغار ولم ير الكبار ، وكأنه والله أعلم ، إنما سأل إشفاقاً على نفسه خشية أن تكون الكبار مخبأة ، ثم بعد ذلك يُحاسب عليها ، لكن لو سكت لكان أحسن ... .
وحدثنا بن نمير حدثنا أبو معاوية ووكيع ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد
القارئ : وحدّثنا ابن نميرٍ ، حدّثنا أبو معاوية ، ووكيعٌ ، ح ، وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال حدّثنا وكيعٌ ، ح ، وحدّثنا أبو كريبٍ ، قال حدّثنا أبو معاوية ، كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد.
حدثني عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن منصور كلاهما عن روح قال عبيد الله حدثنا روح بن عبادة القيسي حدثنا بن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود فقال نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق الناس قال فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول من تنظرون فيقولون ننظر ربنا فيقول أنا ربكم فيقولون حتى ننظر إليك فيتجلى لهم يضحك قال فينطلق بهم ويتبعونه ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله ثم يطفأ نور المنافقين ثم ينجو المؤمنون فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضوإ نجم في السماء ثم كذلك ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة فيجعلون بفناء الجنة ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل ويذهب حراقه ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها
القارئ : حدّثني عبيد الله بن سعيدٍ ، وإسحاق بن منصورٍ ، كلاهما عن روحٍ ، قال عبيد الله : حدّثنا روح بن عبادة القيسيّ ، حدّثنا ابن جريجٍ ، قال : أخبرني أبو الزّبير ، أنّه سمع جابر بن عبد الله ، ( يسأل عن الورود ، فقال : نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا ، انظر أي ذلك فوق النّاس ؟ قال : فتدعى الأمم بأوثانها ، وما كانت تعبد ، الأوّل فالأوّل ، ثمّ يأتينا ربّنا بعد ذلك ، فيقول : من تنظرون ؟ فيقولون : ننظر ربّنا ، فيقول : أنا ربّكم ، فيقولون : حتّى ننظر إليك ، فيتجلّى لهم يضحك ، قال : فينطلق بهم ويتّبعونه ، ويعطى كلّ إنسانٍ منهم منافقًا ، أو مؤمنًا نورًا ، ثمّ يتّبعونه وعلى جسر جهنّم كلاليب وحسكٌ ، تأخذ من شاء الله ، ثمّ يطفأ نور المنافقين ، ثمّ ينجو المؤمنون ، فتنجو أوّل زمرةٍ وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفًا لا يحاسبون ، ثمّ الّذين يلونهم كأضوأ نجمٍ في السّماء ، ثمّ كذلك ثمّ تحلّ الشّفاعة ، ويشفعون حتّى يخرج من النّار من قال : لا إله إلّا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرةً ، فيجعلون بفناء الجنّة ، ويجعل أهل الجنّة يرشّون عليهم الماء حتّى ينبتوا نبات الشّيء في السّيل ، ويذهب حراقه ، ثمّ يسأل حتّى تجعل له الدّنيا وعشرة أمثالها معها ).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو سمع جابرا يقول سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم بأذنه يقول إن الله يخرج ناسا من النار فيدخلهم الجنة
القارئ : حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدّثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرٍو أنّه سمع جابرًا ، يقول : سمعه من النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأذنه ، يقول : ( إنّ الله يخرج ناسًا من النّار فيدخلهم الجنّة ).
حدثنا أبو الربيع حدثنا حماد بن زيد قال قلت لعمرو بن دينار أسمعت جابر بن عبد الله يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يخرج قوما من النار بالشفاعة قال نعم
القارئ : حدّثنا أبو الرّبيع ، قال حدّثنا حمّاد بن زيدٍ ، قال : قلت لعمرو بن دينارٍ : أسمعت جابر بن عبد الله ، يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ الله يخرج قومًا من النّار بالشّفاعة ؟ قال : نعم ).
حدثنا حجاج بن الشاعر حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا قيس بن سليم العنبري قال حدثني يزيد الفقير حدثنا جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم حتى يدخلون الجنة
القارئ : حدّثنا حجّاج بن الشّاعر ، قال حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ ، قال حدّثنا قيس بن سليمٍ العنبريّ ، قال : حدّثني يزيد الفقير ، قال حدّثنا جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ قومًا يخرجون من النّار يحترقون فيها ، إلّا دارات وجوههم حتّى يدخلون الجنّة ). الشيخ : الدارات معروفة ، أي : تدور الوجه ، أي : ما يحيط بالوجه وقد مر علينا أن أعضاء السجود لا تأكلها النار، ومنها الجبهة والأنف فكأن ذلك والله أعلم إما أنه أطلق الكل وأريد به البعض ، أو أن الله سبحانه وتعالى ينجي الوجه كله تبعًا لمواضع السجود ، الجبهة والأنف ، وهذا أقرب ، أن الله بفضله يحمي الوجه كله من النار لأن فيه الجبهة والأنف اللذين يسجد عليهما.
وحدثنا حجاج بن الشاعر حدثنا الفضل بن دكين حدثنا أبو عاصم يعني محمد بن أبي أيوب قال حدثني يزيد الفقير قال كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج ثم نخرج على الناس قال فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم جالس إلى سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإذا هو قد ذكر الجهنميين قال فقلت له يا صاحب رسول الله ما هذا الذي تحدثون والله يقول إنك من تدخل النار فقد أخزيته و كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها فما هذا الذي تقولون قال فقال أتقرأ القرآن قلت نعم قال فهل سمعت بمقام محمد عليه السلام يعني الذي يبعثه الله فيه قلت نعم قال فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم المحمود الذي يخرج الله به من يخرج قال ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليه قال وأخاف أن لا أكون أحفظ ذاك أنه قد زعم أن قوما يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها قال يعني فيخرجون كأنهم عيدان السماسم قال فيدخلون نهرا من أنهار الجنة فيغتسلون فيه فيخرجون كأنهم القراطيس فرجعنا قلنا ويحكم أترون الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعنا فلا والله ما خرج رجل واحد أو كما قال أبو نعيم
القارئ : وحدّثنا حجّاج بن الشّاعر ، حدّثنا الفضل بن دكينٍ ، حدّثنا أبو عاصمٍ ، يعني محمّد بن أبي أيّوب ، قال : حدّثني يزيد الفقير ، قال : ( كنت قد شغفني رأيٌ من رأي الخوارج ). الشيخ : ما رأي الخوارج ؟ أن صاحب الكبيرة مخلد في النار ، وأنه لا تنفع فيه الشفاعة. القارئ : ( فخرجنا في عصابةٍ ذوي عددٍ نريد أن نحجّ ، ثمّ نخرج على النّاس ، قال : فمررنا على المدينة ، فإذا جابر بن عبد الله يحدّث القوم ، جالسٌ إلى ساريةٍ ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فإذا هو قد ذكر الجهنّميّين ، قال : فقلت له : يا صاحب رسول الله ، ما هذا الّذي تحدّثون ؟ والله يقول : (( إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته )) و (( كلّما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها )) ، فما هذا الّذي تقولون ؟ قال : فقال : أتقرأ القرآن ؟ ). الشيخ : شبه ، الإنسان يتعلق بالمشتبهات ، ومن حكمة الله عز وجل أن في الوحي المنزّل شبهات ، وكذلك أيضًا السنة ، شبهات ، وكذلك في الأمور الكونية شبهات ، لأجل الابتلاء والامتحان ، أما الشبهات في الأمور الشرعية في الكتاب والسنة فالابتلاء فيها من حيث من في قلبه زيغ ، ومن كان صافي القلب ، الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه ، والذين قلوبهم سليمة صافية يحملون المشتبه على المحكم وقد ذكرنا لكم هذه القاعدة ، أنه إذا ورد نص ذو وجهين ، ونص لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا فالأول مشتبه والثاني محكم ، فيجب أن يحمل المشتبه على المحكم وبهذا يستريح الإنسان وسلم مما وقع في قلبه من الشك. أما في الأمور الكونية فالله عز وجل يقدر مصائب عامة وخاصة ، توجب للإنسان الذي إيمانه ضعيف توجب أن ينحرف ، كما قال تعالى : (( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه )) تجد ضعيف القلب يقول : لم قدر الله هذا الشيء ؟ ! لماذا قدر هذه الريح العاصفة ، لماذا قدر هذه الفتنة الطاحنة ؟ وما أشبه ذلك ، لكن المؤمن يعلم بأن الله لم يقدر ذلك إلا لحكم بالغة وأسرار عظيمة ، يعجز الإنسان عن إدراكها ، فمن هنا يتمحص المؤمن من غير المؤمن. فالحاصل أن المتشابهات موجودة في الأمور الشرعية وفي الأمور الكونية. فهؤلاء الخوارج قالوا : (( إنك من تدخل النار فقد أخزيته )) وما بعد الخزي من رفعة ولا إكرام. الحديث الذي ذكره مسلم رحمه الله بطوله فيه ... عن هؤلاء القوم الذين صار فيهم من رأي الخوارج الذين يقولون إن فاعل الكبيرة مخلد في النار ، وهؤلاء اعتمدوا على نصوص الوعيد وغفلوا عن نصوص الوعد ، كما أن المرجئة قالوا : إن صاحب الكبيرة لا يدخل النار أصلًا لأن النار إنما أعدت للكافرين ، وصاحب الكبيرة ليس بكافر فلا يدخل النار ، واعتمدوا على نصوص الوعد. وكلا الطائفتين مبتدعة ، وكلاهما نظر إلى النصوص بعين الأعور ، أي : بعين واحدة أما أهل الحق -جعلنا الله منهم- فإنهم نظروا بعينين للنصوص ، وجمعوا بينهما ، وقالوا : أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم الكفار مخلدين وهؤلاء ... وأما أهل النار الذين ... فهؤلاء هم عصاة المؤمنين وهم مستحقون للنار لكن يخرجون منها بعفو الله عنهم أو بشفاعة ، لأن الإنسان قد يشفع له قبل يوم القيامة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازة أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه ). ويغفر له بسبب دعاء المسلمين له. فالحق الشفاعة لأهل الكبائر ، إما أن لا يدخلوا النار ، أو يخرجوا منها بعد أن يدخلوا فيها وهؤلاء أعني الخوارج قالوا : من دخل النار فإنه لا يخرج منها ، واستدلوا بآيات متشابهات ، الآيات المتشابهات هي قوله : (( إن من تدخل النار فقد أخزيته )) والآية الثانية قوله : (( كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها )) فكيف يخرجون منها إخراجًا كليًّا ؟! وقد تكلمنا في الليلة الماضية على أن الله عز وجل بحكمته جعل آيات متشابهات في أحكامه الشرعية وأحكامه الكونية ، ابتلاءً وامتحانًا ممن يتبع المتشابه ويدع المحكم. وهناك قاعدة مفيدة جدًّا تفيد في الكتاب والسنة ، وهو إذا ما وجدت آية متشابهة أو حديث متشابه وهناك آية أو حديث واضح ، فالجواب حمل المتشابه على الواضح ، وكيف ذلك ؟ المتشابه مثلًا يحتمل معان متعددة ، نحملها على المعنى الذي يوافق المحكم حتى تبقى النصوص كلها مكتملة. وعلى هذا فنقول : ما قاله أئمتنا وسلفنا الصالح إن الله تعالى يخرج بالشفاعة أقوام من النار قد احترقوا ويدخلهم الجنة ، وليس هذا بممتنع ولا بعزيز على الله عز وجل. ثم قال جابر أترون الرجل يكذب على رسول الله ، هذه لام التأكيد يعني : أني ما قلت كذبًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فالقوم يقولون : فرجعنا فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد ، أو كما قال أو نعيم. السائل : ... ؟ الشيخ : الظاهر والله أعلم أنهم رجعوا من الحج ، وأنهم اقتنعوا بما قال جابر ، إلا رجل واحد فإنه بقي رأي الخوارج.
الخوارج هم أعبد الخلق فهل هذا دليل على صدقهم وغيرتهم.؟
السائل : ... ؟ الشيخ : لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : الإسلام لا يجاوز حناجرهم القلوب خاوية، عندهم قوة في الظاهر، ولهذا يكفرون الناس، لكن القلوب خاوية، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان لا يجاوز حناجرهم ) خالية من الإيمان لأنهم يريدون أن يسطو على الناس من فوق، وأن يلزموا الناس من الشريعة، لكن فيما بينهم وبين الله -نسأل الله السلامة- قد حيل بينهم وبين الإيمان، وهذا يوجب أن الإنسان يخشى على نفسه من الغيرة الشديدة التي ربما تجعله ظاهريًّا والقلب خاوي كما عليه هؤلاء الخوارج. وقال الحسن البصري رحمه الله : " والله ما سبقهم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة، ولكن بما وقر في قلبه "، ونحن إذا تأملنا أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدنا أن أعمالهم بسيطة ما فيها صعوبة ولا مشقة، سهلة، ومع ذلك ... .
السائل : ... ؟ الشيخ : ... . السائل : ... ؟ الشيخ : المراد بذلك أهل النار الذين هم أهلها، الذين لا ... . السائل : ... ؟ الشيخ : كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وما هم منها بمخرجين? فالمراد أهلها.
حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري ومحمد بن عبيد الغبري واللفظ لأبي كامل قالا حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك وقال بن عبيد فيلهمون لذلك فيقولون لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا قال فيأتون آدم صلى الله عليه وسلم فيقولون أنت آدم أبو الخلق خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هناكم فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ولكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله قال فيأتون نوحا صلى الله عليه وسلم فيقول لست هناكم فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ولكن ائتوا إبراهيم صلى الله عليه وسلم الذي اتخذه الله خليلا فيأتون إبراهيم صلى الله عليه وسلم فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ولكن ائتوا موسى صلى الله عليه وسلم الذي كلمه الله وأعطاه التوراة قال فيأتون موسى عليه السلام فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته فيأتون عيسى روح الله وكلمته فيقول لست هناكم
القارئ : حدّثنا أبو كاملٍ فضيل بن حسينٍ الجحدريّ ، ومحمّد بن عبيدٍ الغبريّ - واللّفظ لأبي كاملٍ - قال : حدّثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالكٍ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يجمع الله النّاس يوم القيامة فيهتمّون لذلك - وقال ابن عبيدٍ : فيلهمون لذلك - فيقولون : لو استشفعنا على ربّنا حتّى يريحنا من مكاننا هذا ، قال : فيأتون آدم صلى الله عليه وسلم ، فيقولون : أنت آدم ، أبو الخلق ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ، اشفع لنا عند ربّك حتّى يريحنا من مكاننا هذا ، فيقول : لست هناكم ، فيذكر خطيئته الّتي أصاب ، فيستحيي ربّه منها ، ولكن ائتوا نوحًا أوّل رسولٍ بعثه الله ، قال : فيأتون نوحًا صلى الله عليه وسلم ، فيقول : لست هناكم ، فيذكر خطيئته الّتي أصاب ، فيستحيي ربّه منها ، ولكن ائتوا إبراهيم صلى الله عليه وسلم الّذي اتّخذه الله خليلًا ، فيأتون إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، فيقول : لست هناكم ، ويذكر خطيئته الّتي أصاب ، فيستحيي ربّه منها ، ولكن ائتوا موسى صلى الله عليه وسلم ، الّذي كلّمه الله وأعطاه التّوراة ، قال : فيأتون موسى عليه السّلام ، فيقول : لست هناكم ، ويذكر خطيئته الّتي أصاب ، فيستحيي ربّه منها ، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته ، فيأتون عيسى روح الله وكلمته ، فيقول : لست هناكم ، ولكن ائتوا محمّدًا صلى الله عليه وسلم عبدًا قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ). الشيخ : هذه الأحاديث في الشفاعة ، ذلك أن الناس يلحقهم يوم القيامة من الكرب والغم ما لا يطيقون ، يعني هم حفاة عراة والشمس تدنو منهم بمقدار ميل ويجدون أهوالًا عظيمة ، فيهمهم من الهم واللفظ الثاني : ( فيلهمون ) أي : يلهمهم الله عز وجل أن يأتوا إلى هؤلاء السادة الرسل والأنبياء. فيأتون آدم ، آدم عليه الصلاة والسلام ، فيقولون : أنت أبو الخلق ، والمراد بالخلق هنا البشر ، فهو عامٌّ أريد به الخاص ، وإلا فهو ليس أبًا للملائكة ولا للجن ، هو أبو البشر فقط. خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه خلقه الله بيده ، وسبق لنا أن الله تعالى خلق آدم بيده ، وكتب التوراة بيده ، وغرس جنة عدن بيده أما بقية الخلائق فكما قلنا بالكلمة ( كن فيكون ) ( ونفخ فيك من روحه ) ليس المراد أن الله نفخ فيه من روحه هو نفسه ، وذلك أن هذه الروح مخلوقة ، وصفات الله تعالى غير مخلوقة ، لكن هذا من باب إضافة الشيء إلى الله عز وجل تكريمًا وتشريفًا ، كما في قوله تعالى : (( وطهر بيتي للطائفين )) ، وقوله تعالى : (( ومن أظلم ممن منع مساجد الله )) ، وكقوله تعالى : (( ناقة الله وسقياها )) فهذه روح مخلوقة ، أضافها الله تعالى لنفسه من باب التشريف والتكريم. ( وأمر الملائكة فسجدوا لك )(( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا )) فكان هذا السجود طاعة لله وكان تركه كفرًا لله ، مع أن السجود لغير الله في الأصل شرك ، لكن طاعة الله هي طاعة الله ، حتى لو أمرك الله بشيء من الشرك وأطعته فأنت ... . قتل النفس بغير حق من كبائر الذنوب وقتل الولد أشد وأعظم، ومع ذلك كان امتثال إبراهيم عليه السلام لقتل ابنه كان من أفضل الأعمال مع أنه قتل. الحاصل : أن الطاعة هي امتثال أمر الله على أي حالٍ كان ، فإذا كان الله تعالى نهى عن شيء بعينه ... وإذا أمر به فهو طاعة ، وإن كان نهى عن القتل صار كبيرة ، وإذا أمر به صار طاعة ... اسم إشارة والكاف للمخاطب ، وقد مر علينا أن اسم الإشارة تكون الكاف المتصلة به على ثلاثة أوجه ، يعني فيها ثلاثة لغات : ... مع الإفراد ، والفصل بين المذكر مع الإفراد مطلقًا ، ... مع .... المؤنث مطلقًا ، والثالث : مراعاة المخاطب المخاطب إذا كان مذكر الكاف مفتوحة ، وإذا كان مؤنث فبالكاف مكسورة ، والمثنى بالكاف مع الميم والألف ، وجماعة النسوة بالكاف مع النون ، وجماعة الذكور بالكاف مع الميم. يقول : ( لست هناكم ) يعني : لست من أهل ذلك المكان الذي يستطيع أن يشفع فيه ، ويذكر خطيئته التي أصاب ، خطيئته التي أصاب ... أنها أكله من الشجرة لأن الله تعالى قال : (( كلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين )) نهاهما فجاء إبليس فوسوس لهما وقال : (( يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ))(( ودلاهما بغرور ))، (( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ))، وهو كاذب حتى أكلا أكلا منها ولهذا وسوس لأبينا وصار يوسوس لنا أيضًا نعرف الحق ولا نعرف الذنب ، ولكنه يقاسم لنا بأنه ناصح افعل كذا وافعل كذا هذه خطيئته ، وفي هذا دليل على أن ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن آدم عليه الصلاة والسلام جاءه إبليس حين حملت حواء وأمرهما أن يسميا ولدهما عبد الحارث فأبيا ، مرتين أو ثلاثة ، وجاءهما في الثالثة أو الرابعة وقال لتطيعاني أو لأجعلن له قرنًا أيل نوع من الغزلان فيخرج من بطنك فيشقك فسمياه عبد الحارث ، فذلك قوله تعالى : (( فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون أيشركون ما لا يخلق شيء وهم يخلقون )) هذه القصة ليست صحيحة إطلاقًا ، وقد بينا في شرح التوحيد أنها غير صحيحة من ثمانية أوجه نقلية وعقلية ، وأن ... من آدم عليه الصلاة والسلام ، لأنه لو كان كذلك لكان اعتذاره به أولى من اعتذاره بأكل الشجرة ، لأن أكل الشجرة معصية ، وهذا شرك ، والشرك أعظم. المهم أنه يذكر خطيئته ، ومعلوم أن من فعل خطيئة أمام من يشفع عنده أنه ليس له وجه أن يشفع عنده ، لماذا ؟ لأنه هو نفسه الآن مخطئ ، فكيف يشفع عنده لو طلب منك إنسان أن تشفع له عند شخص وأنت قد أسأت إلى هذا الشخص ، هل يمكن أن تشفع ؟ لا يمكن لأن أنا نفسي الآن أحتاج لمن يشفع لي عنده. فيستحيي ربه هنا. ولكن ائتوا نوحًا ، أول رسول بعثه الله ، وهذا صحيح ، لأن نوحًا أول رسول ، وبه نعرف كذب ما يذكر من النسب أن إدريس كان جدًّا لنوح ، وإدريس لو كان جدًّا لكان هو أول رسول ، لكن هذا كذب ، وإدريس من بني إسرائيل. يقول : ائتوا نوح ، أول رسول بعثه الله ، قال : فيأتون نوحًا صلى الله عليه وسلم إذا قال قائل : أليس آدم نبيًّا ؟ قلنا : بلى هو نبي ، يوحى إليه ، مأمور ومنهي متعبد لله بالذي أوحاه الله إليه ، لكنه ليس رسولًا. إلى من يرسل ؟! هو أول من خلق من البشر ، فليس رسولًا ، ثم إن أولاده كانوا قليلين ، لم يحصل لهم خلاف ولا انتشروا في الأرض ، ولهذا قال الله تعالى : (( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه )) إذا كانوا أمة واحدة فاختلفوا ثم بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، وهذا واضح ، وأن أول رسول هو نوح. قال : فيأتون نوحًا صلى الله عليه وسلم فيقول لست هناكم ، فيذكر خطيئته التي أخطأها فيستحيي ربه منها ما هي الخطيئة : الخطيئة أنه سأل ما ليس له به علم حين قال : (( رب إن ابني من أهلي )) لما أراد الله عز وجل أن يهلك قومه كان منهم أحد أبنائه ، وقال له أبوه : اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال : سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ، وهذا هو فكر الماديين الذين يعتمدون على الأسباب العادية الحسية ، كأنه يقول : هذه السفينة ربما تقع ، لكن سآوي إلى جبل عالٍ يعصمني من الماء وهذا فكر الماديين الذين يعتمدون على الأسباب العادية الحسية ... سآوي إلى جبل عال يعصمني من الماء فقال له أبوه : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ، وحال بينهما الموج فكان من المغرقين. لكنه قد سأله ربه قبل : (( رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين )) وقد أمر الله نوحًا أن يحمل أهله معه فكان ... ولكن الله قال : (( إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين )) وهذا يدل على أن الله تعالى جعله بذلك الفعل قد سأل ما ليس له به علم فكيف بمن سأل ما يعلم بأنه لا يجوز يكون هذا من باب أولى أن ... الخطيئة ، ومعلوم أن من فعل الخطيئة لا يصح أن يكون شفيعًا عند من أخطأ في حقه. قال : ولكن ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلًا فيأتون إبراهيم كل واحد يحيل على آخر يذكر الثناء عليه ، آدم أحال على نوح وذكر الثناء ، ونحو أحال على إبراهيم وذكر الثناء إبراهيم اتخذه الله خليلًا ، قال العلماء : والخليل هو الذي نال من المحبة أعلاها ، لأن أعلى أنواع المحبة هي الخلة ، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في روضة المحبين أن المحبة لها بضع وعشرين درجة ، أعلاها الخلة ، وعلى هذا قول الشاعر لمعشوقته : " قد تخللت مسلك الروح مني ***وبذا سمي الخليل خليلا " مسلك الروح يعني مجاري الدم ، وبذا سمي الخليل خليلًا ، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام اتخذه الله خليلًا ، جزاءً على ذبح ابنه الذي هو أحب البشر إليه من أجل أن ينال محبة الله ورضا الله فأثابه الله عز وجل والرب عز وجل هكذا يفعل مع عباده من ترك شيئًا له عوضه الله خيرًا منه فسليمان لما ترك الخيل فقال ردوها علي فطفق مسحًا بالسوق والأعناق تقربا لله عز وجل وقطعا ... التي ألهته، ماذا عوضه الله ؟ (( ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره رخاء حيث أصاب )) ، ريح عاصفة قوية ، ومن العادة أن الريح العاصفة القوية تهلك ، ما تكون رخاءً لكن هذه جعلها الله رخاءً ، وقد ذكروا أن وضعوا بساطًا على الأرض ويجتمع هو وحاشيته على هذا البساط ثم تطير بهم الريح حيث أرادوا شمالًا أو جنوبًا أو شرقًا أو غربًا حيث أصاب إبراهيم عليه الصلاة والسلام نال الخلة ، لما امتثل أمر الله أن ينفذه في أحب البشر إليه ، وهل نال الخلة أحد من البشر سوى إبراهيم ؟ نعم ، هو محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال : إن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا. وهل أحد غيرهما نال ذلك ؟ لا نعلم ولو كان أحد نالها والله أعلم لبينه الله عز وجل ، لأن الله لا يهضم صاحب حق حقه ، الظاهر أن الخلة في الخليلين فقط، إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم ، وبه نعرف أن وصفنا لرسول صلى الله عليه وسلم لخليل الله أبلغ من وصفنا إياه بحبيب الله لأن المحبة أدنى من الخلة ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب أبا بكر ، وهو أحب الرجال إليه ، ولكنه قال : ( لو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر ). إذن الخلة أعلى من المحبة ولهذا ثبتت من الرسول لأبي بكر وانتفت الخلة.