القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وطائفة: ظنوا أن التوحيد ليس إلا الإقرار بتوحيد الربوبية، وأن الله خلق كل شيء، وهو الذي يسمونه توحيد الأفعال . ومن أهل الكلام: من أطال نظره في تقرير هذا التوحيد: إما بدليل أن الاشتراك يوجب نقص القدرة وفوات الكمال، وبأن استقلال كل من الفاعلين بالمفعول محال، وإما بغير ذلك من الدلائل، ويظن أنه بذلك قرر الوحدانية وأثبت أنه لا إله إلا هو ، وأن الإلهية هي: القدرة على الاختراع أو نحو ذلك، فإذا ثبت أنه لا يقدر على الاختراع إلا الله، وأنه لا شريك له في الخلق، كان هذا معنى قولنا: لا إله إلا الله، ولم يعلم أن مشركي العرب كانوا مقرين بهذا التوحيد، كما قال تعالى { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله } وقال تعالى { قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل أفلا تذكرون } الآيات، وقال تعالى { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } . قال ابن عباس وغيره: " تسألهم: من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله، وهم مع ذلك يعبدون غيره " . وهذا التوحيد هو من التوحيد الواجب، لكن لا يحصل به الواجب، ولا يخلص بمجرده عن الإشراك الذي هو أكبر الكبائر، الذي لا يغفره الله، بل لا بد أن يخلص لله الدين ، فلا يعبد إلا إياه ، فيكون دينه كله لله . والإله: هو المألوه الذي تألهه القلوب، وكونه يستحق الإلهية مستلزم لصفات الكمال، فلا يستحق أن يكون معبودا محبوبا لذاته إلا هو، وكل عمل لا يراد به وجهه فهو باطل، وعبادة غيره وحب غيره يوجب الفساد، كما قال تعالى { لو كان فيهما آلهةٌ إلا الله لفسدتا } . وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع ، وبينا أن هذه الآية ليس المقصود بها ما يقوله من يقوله من أهل الكلام، من ذكر دليل التمانع الدال على وحدانية الرب تعالى، فإن التمانع يمنع وجود المفعول، لا يوجب فساده بعد وجوده، وذلك يذكر في الأسباب والبدايات التي تجري مجرى العلل الفاعلات، والثاني يذكر في الحكم والنهايات التي تذكر في العلل التي هي الغايات، كما في قوله: { إياك نعبد وإياك نستعين } ، فقدم الغاية المقصودة على الوسيلة الموصلة، كما قد بسط في غير هذا الموضع .
القارئ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد : فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في اقتضاء الصراط المستقيم : " وطائفة ظنوا أن التوحيد ليس إلا الإقرارُ بتوحيد الربوبية " الشيخ : لماذا ؟ كلامك الأول أصح. القارئ : أصح؟ الشيخ : إي، ليس هو إلا الإقرار، اسمها مستثنى. القارئ : طيب " وطائفة ظنوا أن التوحيد ليس إلا الإقرارَ بتوحيد الربوبية وأن الله خلق كل شيء، وهو الذي يسمونه توحيد الأفعال. ومن أهل الكلام من أطال نظره في تقرير هذا التوحيد، إما بدليل أن الاشتراك يوجب نقص القدرة وفوات الكمال، واستقلالُ كل من الفاعلين بالمفعول محال. وإما بغير ذلك من الدلائل، ويظن أنه بذلك قرر الوحدانية، وأثبت أنه لا إله إلا هو، وأن الإلهية هي: القدرة على الاختراع أو نحو ذلك، فإذا ثبت أنه لا يقدر على الاختراع إلا الله، وأنه لا شريك له في الخلق ". الشيخ : عندي فإذا أثبت، إذا أثبت أحسن. يرحمك الله. القارئ : " فإذا أثبت أنه لا يقدر على الاختراع إلا الله، وأنه لا شريك له في الخلق، كان هذا معنى قولنا: لا إله إلا الله، ولم يُعلم أن " الشيخ : يَعلم. القارئ : " ولم يَعلم أن مشركي العرب كانوا مقرين بهذا التوحيد، كما قال تعالى (( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله )) وقال تعالى : (( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل أفلا تذكرون )) الآيات، وقال تعالى: (( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )). قال ابن عباس وغيره: تسألهم من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله، وهم مع ذلك يعبدون غيره. وهذا التوحيد هو من التوحيد الواجب، لكن لا يحصل به الواجب، ولا يخلص بمجرده عن الإشراك الذي هو أكبر الكبائر الذي لا يغفره الله، بل لا بد أن يخلص لله الدين، فلا يعبد إلا إياه، فيكون دينه لله. والإله: هو المألوه الذي تألهه القلوب، وكونه يستحق الإلهية مستلزم لصفات الكمال، فلا يستحق أن يكون معبودا محبوبا لذاته إلا هو، وكل عمل لا يراد به وجهه فهو باطل، وعبادة غيره وحب غيره يوجب الفساد، كما قال تعالى (( لو كان فيهما آلهةٌ إلا الله لفسدتا )) وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع". الشيخ : الله أكبر. القارئ : " وبينا أن هذه الآية ليس المقصود بها ما يقوله من يقوله من أهل الكلام، من ذكر دليل التمانع الدال على وحدانية الرب تعالى، فإن التمانع يمنع وجود المفعول، لا يوجب فساده بعد وجوده، وذلك يُذكر في الأسباب والبدايات التي تٌجرى مجرى العلل الفاعلات ". الشيخ : تَجري. القارئ : " التي تَجري مجرى العلل الفاعلات، والثاني يُذكر في الحكم والنهايات التي تُذكر في العلل التي هي الغايات " الشيخ : في المعلل. القارئ : تصحيح يا شيخ؟ الطالب : المعلل. الشيخ : المعلل. القارئ : " والثاني يذكر في الحكم والنهايات التي تذكر في المعلل التي هي الغايات كما في قوله: (( إياك نعبد وإياك نستعين ))، فقدم الغاية المقصودة على الوسيلة الموصلة، كما قد بسط في غير هذا الموضع ".
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم إن طائفة ممن تكلم في تحقيق التوحيد على طريق أهل التصوف، ظن أن توحيد الربوبية هو الغاية، والفناء فيه هو النهاية، وأنه إذا شهد ذلك سقط عنه استحسان الحسن واستقباح القبيح، فآل بهم الأمر إلى تعطيل الأمر والنهي، والوعد والوعيد، ولم يفرقوا بين مشيئته الشاملة لجميع المخلوقات، وبين محبته ورضاه المختص بالطاعات، وبين كلماته الكونيات التي لا يجاوزها بر ولا فاجر -لشمول القدر لكل مخلوق- وكلماته الدينيات التي اختص بموافقتها أنبياؤه وأولياؤه . فالعبد مع شهوده الربوبية العامة الشاملة للمؤمن والكافر، والبر والفاجر، عليه أن يشهد ألوهيته التي اختص بها عباده المؤمنين، الذين عبدوه وأطاعوا أمره، واتبعوا رسله .
القارئ : " ثم إن طائفة ممن تكلم في تحقيق التوحيد على طريق أهل التصوف، ظن أن توحيد الربوبية هو الغاية، والفناء فيه هو النهاية، وأنه إذا شهد ذلك سقط عنه استحسان الحسن واستقباح القبيح، فآل بهم الأمر إلى تعطيل الأمر والنهي، والوعد والوعيد، ولم يفرقوا بين مشيئته الشاملة لجميع المخلوقات، وبين محبته ورضاه المختص بالطاعات، وبين كلماته الكونيات التي لا يجاوزها بر ولا فاجر - لشمول القدر لكل مخلوق - وكلماته الدينيات التي اختص بموافقتها أنبياؤه وأولياؤه. فالعبد مع شهوده الربوبية العامة الشاملة للمؤمن والكافر، والبر والفاجر، عليه أن يشهد ألوهيته التي اختص بها عباده المؤمنين، الذين عبدوه وأطاعوا أمره، واتبعوا رسله ". الشيخ : أنتم فاهمين هذا الكلام ؟ يعني في أناس ظنوا أن التوحيد تجريد الله تبارك وتعالى من كل صفة، وقالوا: أن تؤمن بأنه الوجود المطلق بلا صفة. وقوم قالوا إن التوحيد هو أن تشهد أن لا إله إلا الله يعني أن لا قادر على الاختراع إلا الله، ولا خالق إلا الله، هذا ما هو توحيد، هذا توحيد الربوبية، والذي جاءت به الرسل هو التركيز على توحيد الألوهية، لأنه هو الذي وقع به الشرك. طائفة أخرى ظنوا أن الغاية هي مشاهدة الكون يعني مشاهدة الربوبية، حتى رضوا بكل ما يقع، كل ما يقع من خير وشر وطاعة ومعصية، وشرك وتوحيد، قالوا هذا هو توحيدنا، أن الله عز وجل رضي به فأوقعه فنحن نرضى به، وهذا الصوفية بعض الصوفية يقول هكذا، يقول: إذا شهدت الكون فلا يهمك أحد، ولذلك بعضهم يغيب بمذكوره عن ذكره، معناه يعني أنه يغيب عن عبادة الله عن طاعة الله، لأنه يقول امتلأ قلبي من الله ولا أحس بشيء، وما العبادات إلا مجرد أفعال. حتى قالوا إن من عبد الله يبتغي بذلك فضلاً من الله ورضواناً فإنه لم يعبده حقاً، مع أن هذا هو طريق من ؟ الطالب : الأنبياء. الشيخ : النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (( تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً )) هؤلاء يقول شيخ الإسلام في التدمرية: " إنهم يفعلون فعل المجانين " فعل المجانين، يقول أحدهم : ما في الجبة إلا الله، جبته التي هو لابسها، يقول: ما فيها إلا الله، من هو ؟ نفسه. ويقول من الهذيان: أنصب خيمتي على جهنم ولا يهمني، ويقول: سبحاني سبحاني، مع شدة الانفعال يقول: سبحاني سبحاني أنا الرب، شيء عجيب ذكر عنهم، اللهم عافنا.
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " قال تعالى { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } ، وقال تعالى: { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } ، وقال تعالى { أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون } . ومن لم يفرق بين أولياء الله وأعدائه، وبين ما أمر به وأحبه : من الإيمان والأعمال الصالحة ، وما كرهه ونهى عنه وأبغضه: من الكفر والفسوق والعصيان مع شمول قدرته، ومشيئته، وخلقه لكل شيء، وإلا وقع في دين المشركين، الذين قالوا { لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيءٍ } . والقدر يؤمن به ولا يحتج به، بل العبد مأمور أن يرجع إلى القدر عند المصائب، ويستغفر الله عند الذنوب والمعايب ، كما قال تعالى { فاصبر إن وعد الله حقٌ واستغفر لذنبك } ، ولهذا حج آدم موسى عليهما السلام، لما لام موسى آدم لأجل المصيبة التي حصلت لهم بأكله من الشجرة، فذكر له آدم : " أن هذا كان مكتوبا قبل أن أخلق. فحج آدم موسى "
القارئ : " وقال تعالى: (( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ))، وقال تعالى (( أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون )). ومن لم يفرق بين أولياء الله وأعدائه، وبين ما أمر به وأحبه من الإيمان والأعمال الصالحة، وما كرهه ونهى عنه وأبغضه من الكفر والفسوق والعصيان مع شمول قدرته ومشيئته وخلقه لكل شيء، وإلا وقع في دين المشركين، الذين قالوا: (( لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيءٍ )). والقدر يؤمِن به " الشيخ : يؤمَن. القارئ : " والقدر يؤمَن به ولا يحتج به، بل العبد مأمور أن يرجع إلى القدر عند المصائب، ويستغفر الله عند الذنوب والمعايب، كما قال تعالى (( فاصبر إن وعد الله حقٌ واستغفر لذنبك )) ولهذا " الشيخ : هذه الكلمات في الواقع هي قواعد عظيمة، القدر ما موقفنا معه ؟ الإيمان به أن نؤمن به، ولكن لا نحتج به على شريعة الله، ولهذا قال الله تعالى : (( فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك )) فالإنسان مأمور عند المصائب بالصبر، وعند المعايب بالاستغفار، اصبر واستغفر لذنبك. وهذه قاعدة عظيمة : القدر لا يحتج به ويؤمن به، والذنوب يستغفر منها ويتوب إلى الله منها، وأما الأقدار فيصبر. نعم. القارئ : " ولهذا حج آدم موسى عليهما السلام، لما لام موسى آدم لأجل المصيبة التي حصلت لهم بأكله من الشجرة، فذكر له آدم : ( أن هذا كان مكتوباً قبل أن أخلق. فحج آدم موسى ) كما قال تعالى " الشيخ : هذه المسألة : حديث آدم وموسى هو ( أن موسى احتج على آدم وقال: إنك أبونا خيبتنا أخرجتنا من الجنة، فقال له آدم: أتلومني على شيء كتبه الله علي قبل أن أخلق بأربعين عاماً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى ) يعني غلبه في الحجة، لكن لماذا ؟ شيخ الإسلام رحمه الله خرج هذا الحديث على أن موسى احتج على آدم بالمصيبة، وهي إخراجه من الجنة، ولهذا لم يقل خيبتنا فعصيت، قال أخرجتنا فهو احتجاج بالقدر على إيش؟ على المصيبة، يعني: يقول هذا شيء مكتوب علي، وكأنه يقول لو علمت ما فعلت، هذا مكتوب، والإنسان إذا سافر وأصيب بحادث وقيل له كيف تسافر؟ ماذا يقول؟ هذا شيء مكتوب، لكن هل هو سافر ليصاب بالحادث؟ لا، آدم ما أكل ليخرج من الجنة أبداً، بل غره الشيطان، وقال : (( هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى )) لكن حدثت المصيبة بقضاء الله وقدره. هذا الوجه لا شك أنه جيد جداً، ولا يمكن لموسى عليه السلام وهو من أولي العزم من الرسل أن يحتج على آدم عليه الصلاة والسلام بشيء مكتوب عليه، أبداً، ولا يمكن لآدم أن يحتج بالقدر على المعصية هذا بعيد. ابن القيم رحمه الله خرجه على وجه آخر، وقال : " إن هذا احتجاج بالقدر بعد وقوع المقدور ولا بأس به "، واحتج لذلك ( بأن علي بن أبي طالب وفاطمة أتاهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال ألا تصليان؟ فقال علي رضي الله عنه: إن أنفسنا بيد الله عز وجل ولو شاء الله لأيقظنا -أو كلمة نحوها- فولى النبي صلى الله عليه وسلم منصرفاً عنهما يضرب على فخذه ويقول: وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً ). فيقول: إن علي بن أبي طالب احتج بالقدر على أمر مضى، والاحتجاج بالقدر على أمر مضى لا بأس به، الاحتجاج بالقدر على أمر يستمر فيه الإنسان هذا هو الممنوع. ولذلك لو أن رجلاً أتى المعصية ولامه أخوه، وقال : كيف تأتي هذه المعصية؟ قال : والله هذا شيء مكتوب علي، قدر الله وما شاء فعل، وأنا الآن تائب، ولن أعود إليها إن شاء الله، هل يقبل منه هذا أو لا يقبل ؟ يقبل منه، وهذا التخريج الذي خرجه ابن القيم أيضاً وجيه. نعم.
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " كما قال تعالى { ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتابٍ من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسيرٌ } ، وقال تعالى { ما أصاب من مصيبةٍ إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه } ، قال بعض السلف: " هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم " . فهذا هو جهة احتجاج آدم بالقدر، ومعاذ الله أن يحتج آدم - أو من هو دونه من المؤمنين- على المعاصي بالقدر، فإنه لو ساغ هذا لساغ أن يحتج إبليس ومن اتبعه من الجن والإنس بذلك، ويحتج به قوم نوح وعاد وثمود، وسائر أهل الكفر والفسوق والعصيان، ولم يعاقب أحد، وهذا مما يعلم فساده بالاضطرار شرعا وعقلا . فإن هذا القول لا يطرده أحد من العقلاء، فإن طرده يوجب أن لا يلام أحد على شيء، ولا يعاقب عليه . وهذا المحتج بالقدر لو جنى عليه جان لطالبه، فإن كان القدر حجة للجاني عليه، وإلا فليس حجة لا لهذا ولا لهذا . ولو كان الاحتجاج بالقدر مقبولا، لم يمكن للناس أن يعيشوا، إذا كان لكل من اعتدى عليهم أن يحتج بذلك، فيقبلوا عذره ولا يعاقبوه، ولا يمكن اثنان من أهل هذا القول أن يعيشا ، إذ لكل منهما أن يقتل الآخر، ويفسد جميع أموره، محتجا على ذلك بالقدر .
القارئ : " وكما قال تعالى : ((ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتابٍ من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسيرٌ )) ، وقال تعالى: (( ما أصاب من مصيبةٍ إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه ))، قال بعض السلف: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم ". الشيخ : الله أكبر، بعض السلف هو علقمة أحد أصحاب عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، وهو من العلماء الأجلة، وكأنه غاب عن شيخ الإسلام رحمه الله اسمه حين كتابة هذا، ولذلك ينبغي لك إذا لم تتأكد اسم الشخص وأنت تريد أن تتحدث عن أحد من السلف أن لا تعينه، لأنك قد تخطئ، وخطأك هذا يضر غيرك من وجه ويخدش سمعتك ومنزلتك من وجه آخر، قل: قال بعض السلف، الحمد لله الأمر واسع، ما هو لازم تعينه. وفيه : " فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم " هذه فائدة عظيمة، إذا أردت طيب الحياة وقرار القلب فارض بالقضاء والقدر، فلا تجد أحد أنعم بالاً من المؤمن بالقضاء والقدر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن صابته سراء شكر فكان خيراً له ) لا تندم، لا تقل لو أني فعلت لكان، ارض بالقضاء وإذا كرهت الشيء الواقع قل الحمد لله هذا قضاء الله وقدره. نعم. القارئ : " فهذا هو جهة احتجاج آدم بالقدر، ومعاذ الله أن يحتج آدم أو من دونه من المؤمنين على المعاصي بالقدر، فإنه لو ساغ هذا لساغ أن يحتج إبليس ومن اتبعه من الجن والإنس بذلك، ويحتج به قوم نوح وعاد وثمود، وسائرُ أهل الكفر والفسوق والعصيان، ولم يعاقب أحد، وهذا مما يُعلم فساده بالاضطرار شرعاً وعقلاً، فإن هذا القول لا يطرده أحد من العقلاء، فإن طرده يوجب أن لا يلام أحد على شيء، ولا يعاقب عليه. وهذا المحتج بالقدر لو جنى عليه جان لطالبه، فإن كان القدر حجة فهو حجة للجاني عليه، وإلا فليس حجة لا لهذا ولا لهذا. ولو كان الاحتجاج بالقدر مقبولاً، لم يمكن للناس أن يعيشوا، إذا كان " الشيخ : إذ كان. القارئ : إذ كان؟ الشيخ : إي خلنا نشوف وش عندك ؟ إقرأ. القارئ : " ولو كان الاحتجاج بالقدر مقبولاً، لم يمكن للناس أن يعيشوا، إذا كان لكل من اعتدى عليهم أن يحتج بذلك، فيقبلوا عذره ولا يعاقبوه " الشيخ : الي عندي لازم تحطونها نسخة، لأنها أقرب للصواب، اكتبوها نسخة الطالب : ... الشيخ : لا، إذ، للتعليل. القارئ : " إذ كان لكل من اعتدى عليهم أن يحتج بذلك، فيقبلوا عذره ولا يعاقبوه، ولا يمكن اثنان من أهل هذا القول أن يعيشا، إذ لكل منهما أن يقتل الآخر ويفسد جميع أموره محتجا على ذلك بالقدر. ثم إن أؤلئك المبتدعين الذين أدخلوا في التوحيد نفي الصفات ". الشيخ : ذولي حالهم تقتضي اللعب، إذا صفعه على رأسه صفعة، قال : والله هذا القدر، صفعه مرتين، الثاني قال هذا القدر، ثم الثاني، الأول إيش؟ يصفعه ثلاثة، ويقول: هذا القدر وهلم جرا، يعني أضحوكة، الاحتجاج بالقدر على أفعال العبد لا شك أنه مخالف للعقل وللشرع. الله أكبر.
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم إن أولئك المبتدعين، الذين أدخلوا في التوحيد نفي الصفات، وهؤلاء الذين أخرجوا عنه متابعة الأمر، إذا حققوا القولين؛ أفضى بهم الأمر إلى أن لا يفرقوا بين الخالق والمخلوق، بل يقولون بوحدة الوجود كما قاله أهل الإلحاد القائلين بالوحدة والحلول والاتحاد ، الذين يعظمون الأصنام وعابديها، وفرعون وهامان وقومهما، ويجعلون وجود خالق الأرض والسماوات هو وجود كل شيء من الموجودات ، ويدعون التوحيد والتحقيق والعرفان، وهم من أعظم أهل الشرك والتلبيس والبهتان . يقول عارفهم: السالك في أول أمره يفرق بين الطاعة والمعصية -أي نظرا إلى الأمر- ثم يرى طاعة بلا معصية- أي نظرا إلى القدر- ثم لا طاعة ولا معصية- أي نظرا إلى أن الوجود واحد -ولا يفرقون بين الواحد بالعين والواحد بالنوع، فإن الموجودات مشتركة في مسمى الوجود. والوجود ينقسم إلى: قائم بنفسه. وقائم بغيره، وواجب بنفسه، وممكن بنفسه. كما أن الحيوانات مشتركة في مسمى الحيوان، والأناسي يشتركون في مسمى الإنسان، مع العلم الضروري بأنه ليس عين وجود هذا الإنسان هو عين وجود هذا الفرس، بل ولا عين هذا الحيوان وحيوانيته وإنسانيته هو عين هذا الحيوان وحيوانيته وإنسانيته، لكن بينهما قدر مشترك تشابها فيه، قد يسمى كليا ومطلقا وقدرا مشتركا، ونحو ذلك، وهذا لا يكون في الخارج عن الأذهان كليا عاما مطلقا، بل لا يوجد إلا معينا مشخصا، فكل موجود فله ما يخصه من حقيقته، مما لا يشركه فيه غيره، بل ليس بين موجودين في الخارج شيء بعينه اشتركا فيه، ولكن تشابها؛ ففي هذا نظير ما في هذا، كما أن هذا نظير هذا، وكل منهما متميز بذاته وصفاته عما سواه، فكيف الخالق سبحانه وتعالى؟
وهذا كله مبسوط في غير هذا الموضع البسط الذي يليق به ، فإنه مقام زلت فيه أقدام، وضلت فيه أحلام، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
القارئ : " ثم إن أولئك المبتدعين، الذين أدخلوا في التوحيد نفي الصفات، وهؤلاء الذين أخرجوا عنه متابعة الأمر، إذا حققوا القولين، أفضى بهم الأمر إلى أن لا يفرقوا بين الخالق والمخلوق، بل يقولون بوحدة الوجود كما قال أهل الإلحاد القائلين بالوحدة والحلول والاتحاد، الذين يعظمون الأصنام وعابديها، وفرعون وهامان وقومهما، ويجعلون وجود خالق الأرض والسماوات هو وجود كل شيء من الموجودات ". الشيخ : عندي من المخلوقات. القارئ : أشار إليها نسخة. الشيخ : نسخة؟ القارئ : نسخة. " ويدعون التوحيد والتحقيق والعرفان، وهم من أعظم أهل الشرك والتلبيس والبهتان. يقول عارفهم: السالك في أول أمره يفرق بين الطاعة والمعصية -أي نظراً إلى الأمر- ثم يرى طاعة بلا معصية- أي نظراً إلى القدر- ثم لا طاعة ولا معصية- أي نظراً إلى أن الوجود واحد -ولا يفرقون بين الواحد بالعين والواحد بالنوع، فإن الموجودات مشتركة في مسمى الوجود. والوجود ينقسم إلى: قائم بنفسه، وقائم بغيره، وواجب بنفسه، وممكن بنفسه، كما أن الحيوانات مشتركة في مسمى الحيوان، والأناس يشتركون في مسمى الإنسان ". الشيخ : عندي والأناسي بالياء. القارئ : نسخة يا شيخ ؟ الشيخ : أشار إليها ؟ القارئ : لا. الطالب : عندي والأناسي. الشيخ : بالياء ؟ صحح. القارئ : " والأناسي يشتركون في مسمى الإنسان، مع العلم الضروري بأنه ليس عين وجود هذا الإنسان هو عين هذا الفرس " الطالب : هو عين وجود هذا الفرس الشيخ : إي وهو كذلك عندنا ، " هو عين وجود هذا الفرس، بل ولا عين هذا الحيوان وحيوانيته وإنسانيته هو عين هذا الحيوان حيوانيته وإنسانيته، ولكن بينهما "، إقرأ: " ولكن بينهما " القارئ : " ولكن بينهما قدر مشترك ". الشيخ : استمر. القارئ : إي لكن أصحح ؟ الشيخ :" عين وجود هذا الفرس " ، عندكم أنتم: " عين هذا الفرس " القارئ : إي. الشيخ : لا، الصواب : " عين وجود هذا الفرس " القارئ : " بل ولا عين هذا الحيوان وحيوانيته وإنسانيته هو عين هذا الحيوان وحيوانيته وإنسانيته، ولكن بينهما قدر مشترك تشابها فيه، قد يسمى كليا ومطلقا وقدرا مشتركا، ونحو ذلك، وهذا لا يكون في الخارج عن الأذهان كليا عاما مطلقاً، بل لا يوجد إلا معيناً مشخصاً، فكل موجود فله ما يخصه من حقيقته، مما لا يشركه فيه غيره، بل ليس بين موجودين في الخارج شيء بعينه اشتركا فيه، ولكن تشابها، ففي هذا نظير ما في هذا، كما أن هذا نظير هذا، وكل منهما متميز بذاته وصفاته عما سواه، فكيف الخالق سبحانه وتعالى؟ وهذا كله مبسوط في غير هذا الموضع البسط الذي يليق به، فإنه مقام زلت فيه أقدام، وضلت فيه أحلام، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" .
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومن أحكم الأصلين المتقدمين في الصفات، والخلق والأمر؛ فيميز بين المأمور المحبوب المرضي لله، وبين غيره، مع شمول القدر لهما، وأثبت للخالق سبحانه الصفات التي توجب مباينته للمخلوقات، وأنه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، أثبت التوحيد الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، كما نبه على ذلك في سورتي الإخلاص { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحدٌ } . فإن { قل هو الله أحدٌ } تعدل ثلث القرآن، إذ كان القرآن باعتبار معانيه ثلاث أثلاث: ثلث توحيد، وثلث قصص، وثلث أمر ونهي؛ لأن القرآن كلام الله. والكلام: إما إنشاء، وإما إخبار، والإخبار: إما عن الخالق، وإما عن المخلوق. والإنشاء: أمر ونهي وإباحة . فـ { قل هو الله أحدٌ } فيها ثلث التوحيد، الذي هو خبر عن الخالق، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن " وعدل الشيء -بالفتح- يكون: ما سواه، من غير جنسه ، كما قال تعالى: { أو عدل ذلك صيامًا } وذلك يقتضي: أن له من الثواب ما يساوي الثلث في القدر، ولا يكون مثله في الصفة، كمن معه ألف دينار وآخر معه ما يعدلها من الفضة والنحاس وغيرهما . ولهذا يحتاج إلى سائر القرآن، ولا تغني عنه هذه السورة مطلقا، كما يحتاج من معه نوع من المال إلى سائر الأنواع، إذ كان العبد محتاجا إلى الأمر والنهي والقصص .
القارئ : " ومن أحكم الأصلين المتقدمين في الصفات، والخلق والأمر، فيميز بين المأمور المحبوب " الشيخ : فميز القارئ : أشار إليها. الشيخ : ميز، أشار إليها ؟ القارئ : نسخة. الشيخ : طيب. القارئ : " فميز بين المأمور المحبوب المرضي لله وبين غيره، مع شمول القدر لهما، وأثبت للخالق سبحانه الصفات التي توجب مباينته للمخلوقات، وأنه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، أثبت التوحيد الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، كما نبه على ذلك في سورتي الإخلاص (( قل يا أيها الكافرون )) و (( قل هو الله أحدٌ ))، فإن (( قل هو الله أحدٌ )) تعدل ثلث القرآن، إذ كان القرآن باعتبار معانيه ثلاث أثلاث: ثلث توحيد، وثلث قصص، وثلث أمر ونهي، لأن القرآن كلام الله، والكلام: إما إنشاء، وإما إخبار، والإخبار: إما عن الخالق، وإما عن المخلوق. والإنشاء: أمر ونهي وإباحة. فـ (( قل هو الله أحدٌ )) فيها ثلث التوحيد، الذي هو خبر عن الخالق، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ) وعَدَل الشيء " الشيخ : عَدْل الشيء. القارئ : " وعَدْل الشيء -بالفتح- يكون ما ساواه من غير جنسه، كما قال تعالى: (( أو عدل ذلك صيامًا )) وذلك يقتضي أن له من الثواب ما يساوي الثلث في القدر، ولا يكون مثله في الصفة، كمن معه ألف دينار وآخر معه ما يعدلها من الفضة والنحاس وغيرهما. ولهذا يحتاج إلى سائر القرآن، ولا تغني عنه هذه السورة مطلقاً، كما يحتاج من معه نوع من المال إلى سائر الأنواع، إذ كان العبد محتاجاً " الشيخ : ما هو يمدينا القارئ : بس الكلمتين؟ الشيخ : هاه؟ القارئ : بس كلمتين؟ الشيخ : لا، بس ما يمدينا نكمل الكتاب. القارئ : لا، بس كلمتين بقيو في السطر " إذ كان العبد محتاجاً إلى الأمر والنهي والقصص ". الشيخ : الحين احتجنا إلى ... الكلام .
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وسورة { قل هو الله أحدٌ } فيها التوحيد القولي العملي، الذي تدل عليه الأسماء والصفات، ولهذا قال تعالى : { قل هو الله أحدٌ. الله الصمد } . وقد بسطنا الكلام عليها في غير هذا الموضع .
القارئ : أما بعد فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في اقتضاء الصراط المستقيم : " وسورة (( قل هو الله أحدٌ )) فيها التوحيد القولي العلمي، الذي تدل عليه الأسماء والصفات، ولهذا قال تعالى : (( قل هو الله أحدٌ. الله الصمد )). وقد بسطنا الكلام عليها في غير هذا الموضع ". الشيخ : شيخ الإسلام له كتاب مستقل، تفسير سورة الإخلاص، جمع فيه بحوراً زاخرة. قوله تبارك وتعالى : (( الله الصمد )) الجملة هنا كما ترون من مبتدأ وخبر، كلاهما معرفة، وعند أهل البلاغة أن المبتدأ والخبر إذا كانا معرفتين فهما دالان على الحصر، فيكون المعنى : الله الصمد لا غيره، فما معنى الصمد ؟ فسر بتفاسير كلها تدور على شيئين: الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته، فهو كامل في صفاته، ليس في صفاته نقص بوجه من الوجوه، وهو غني عما سواه، وكل ما سواه محتاج له سبحانه وتعالى، فهو الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته. نعم.
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وسورة: { قل يا أيها الكافرون } فيها التوحيد القصدي العملي، كما قال تعالى { قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون } وبهذا يتميز من يعبد الله ممن يعبد غيره وإن كان كلاهما يقر بأن الله رب كل شيء ، ويتميز عباد الله المخلصون الذين لم يعبدوا إلا إياه، ممن عبد غيره وأشرك به، أو نظر إلى القدر الشامل لكل شيء، فسوى بين المؤمنين والكفار، كما كان يفعل المشركون من العرب . ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " إنها براءة من الشرك " . وسورة { قل هو الله أحدٌ } فيها إثبات الذات، وما لها من الأسماء والصفات التي يتميز بها مثبتو الرب الخالق، الأحد الصمد، عن المعطلين له بالحقيقة، نفاة الأسماء والصفات، المضاهين لفرعون وأمثاله ممن أظهر التعطيل والجحود للإله المعبود، وإن كان في الباطن يقر به، كما قال تعالى { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا } وقال موسى { لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورًا } .
القارئ : " وسورة: (( قل يا أيها الكافرون )) فيها التوحيد القصدي العملي، كما قال تعالى (( قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون )) وبهذا يتميز من يعبد الله ممن يعبد غيره وإن كان كلاهما " الشيخ : عندك ولهذا ولا وبهذا؟ القارئ : وبهذا، وفي نسخة قال: ولهذا. الشيخ : لا، الصواب وبهذا. القارئ : " وبهذا يتميز من يعبد الله ممن يعبد غيره وإن كان كلاهما يقر بأن الله رب كل شيء، ويتميز عباد الله المخلصون الذين لم يعبدوا إلا إياه ممن عبد غيره وأشرك به، أو نظر إلى القدر الشامل لكل شيء، فسوى بين المؤمنين والكفار، كما كان يفعل المشركون من العرب. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( إنها براءة من الشرك ). وسورة (( قل هو الله أحدٌ )) فيها إثبات الذات، وما لها من الأسماء والصفات الذي يتميز به مثبتو الرب الخالق الأحد الصمد، من المعطلين له بالحقيقة، نفاة الأسماء والصفات، المضاهين لفرعون وأمثاله ممن أظهر التعطيل والجحود للإله المعبود، وإن كان في الباطن يقر به، كما قال تعالى: (( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا )) وقال موسى: (( لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورًا )) ".
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والله سبحانه بعث أنبياءه بإثبات مفصل، ونفي مجمل، فأثبتوا له الأسماء والصفات، ونفوا عنه مماثلة المخلوقات. ومن خالفهم من المعطلة المتفلسفة وغيرهم عكسوا القضية، فجاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل، يقولون ليس كذا، ليس كذا، ليس كذا . فإذا أرادوا إثباته قالوا: وجود مطلق بشرط النفي، أو بشرط الإطلاق، وهم يقرون في منطقهم اليوناني: أن المطلق بشرط الإطلاق لا يكون في الخارج، فليس في الخارج حيوان مطلق بشرط الإطلاق، ولا إنسان مطلق بشرط الإطلاق، ولا موجود مطلق بشرط الإطلاق، بخلاف المطلق لا بشرط الذي يطلق على هذا وهذا، وينقسم إلى هذا وهذا، فإن هذا يقال: إنه في الخارج لا يكون إلا معينا مشخصا. أو يقولون إنه الوجود المشروط بنفي كل ثبوت عنه ، فيكون مشاركا لسائر الموجودات في مسمى الوجود، متميزا عنها بالعدم . وكل موجود متميز بأمر ثبوتي، والوجود خير من العدم ، فيكون أحقر الموجودات خيرا من هذا الذي ظنوه وجودا واجبا، هذا إذا أمكن تحقيقه في الخارج، فكيف وذلك ممتنع؛ لأن المتميز بين الموجودين لا يكون عدما محضا، بل لا يكون إلا وجودا؟ فهؤلاء الذين يدعون أنهم أفضل المتأخرين، من الفلاسفة المشائين يقولون: في وجود واجب الوجود، ما يعلم بصريح المعقول الموافق لقوانينهم المنطقية: أنه قول بامتناع الوجود الواجب ، وأنه جمع بين النقيضين، وهذا في غاية الجهل والضلال.
القارئ : " والله سبحانه بعث أنبياءه بإثبات مفصل، ونفي مجمل، فأثبتوا له الأسماء والصفات، ونفوا عنه مماثلة المخلوقات. ومن خالفهم من المعطلة ". الشيخ : قوله : " بإثبات مفصل ونفي مجمل "هذا هو الغالب، الغالب أن صفات الإثبات تأتي مفصلة، لأن كل صفة تذكر يتبين للمخاطب من كمال الموصوف ما لم يكن معلوماً من قبل، السميع يتبين لك أن الله له سمع، فإذا قلت: العليم زدت علماً بصفة كمال، وهي العلم وهلم جرا، ولهذا كان الغالب في صفات الإثبات هو التفصيل، وقد يأتي إجمالاً مثل قوله تعالى : (( للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم )) هذا مجمل، الأعلى يعني الوصف الأكمل. أما النفي فالغالب فيه الإجمال، لأن التفصيل في النفي يعد إهانة للموصوف وليس إكراماً له ولا إعلاءً لشأنه. ولهذا لو قال رجل للملك، لملك من الملوك، الحمد لله الذي لم يجعلك كساحاً ولا بناءً وفراشا ولا حمَّاراً ولا كلَّاباً، نعم، وما أشبه ذلك إيش يقول له؟ الطالب : يحطه بالسجن الشيخ : سيقول له الحبس، لأن هذا إهانة، لكن لو قال: إنك ملك لا نرى لك نظيراً في ملوك الدنيا إيش يقول؟ هذا إجمال، هذا مدح عظيم. لكن يأتي التفصيل في النفي إذا أريد بذلك نفي صفة مذكورة فيريد الله عز وجل أن ينفيها، أو يكون هناك توهم لصفة نقص فينفيها الله عز وجل. ففي قول الله تعالى: (( لم يلد ولم يولد )) هذا تفصيل، لماذا ؟ لأن قوماً قالوا إنه يلد وأن المسيح ابن الله وعزير ابن الله، والملائكة بنات الله. أو توهم نقص مثل قوله تعالى : (( ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب )) لما كان خلق هذه المخلوقات العظيمة قد يتوهم الإنسان منه أن الله تعب، فنفى الله ذلك عنه. فالمهم الآن أن الرسل عليهم الصلاة والسلام ولاسيما خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم جاؤوا بإثبات مفصل، يجب أن يقيد بإيش؟ بالغالب، وجاؤوا بنفي مجمل ولا تفصيل في النفي إلا لسبب. نعم. القارئ : " ومن خالفهم من المعطلة المتفلسفة وغيرهم عكسوا القضية، فجاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل، يقولون ليس كذا، ليس كذا، ليس كذا. فإذا أرادوا إثباته قالوا: وجودٌ مطلق بشرط النفي، وبشرط الإطلاق " الشيخ : ما عندنا النفي، بشرط الإطلاق، عندكم ؟ الطالب : عندنا الشيخ : عندكم؟ نلحقها ونحطها نسخة. نعم. القارئ : " فإذا أرادوا إثباته قالوا : وجود مطلق بشرط النفي وبشرط الإطلاق، وهم يقرون في منطقهم اليوناني أن المطلق بشرط الإطلاق لا يكون في الخارج، فليس في الخارج حيوان مطلق بشرط الإطلاق، ولا إنسان مطلق بشرط الإطلاق، ولا موجود مطلق بشرط الإطلاق، بخلاف المطلق لا بشرط الذي يطلق على هذا وهذا، وينقسم إلى هذا وهذا، فإن هذا يقال: إنه في الخارج لا يكون إلا معيناً مشخصاً. أو يقولون إنه الوجود المشروط بنفي كل ثبوت عنه، فيكون مشاركاً لسائر الموجودات في مسمى الوجود، متميزا عنها بالعدم. وكل موجود متميز بأمر ثبوتي، والوجود خير من العدم، فيكون أحقر الموجودات خيراً من هذا الذي ظنوه وجودا واجبا، هذا إذا أمكن تحقيقه في الخارج، فكيف وذلك ممتنع، لأن المتميز بين الموجودين لا يكون عدماً محضاً، بل لا يكون إلا وجودا؟ فهؤلاء الذين يدعون أنهم أفضل المتأخرين من الفلاسفة المشائين يقولون في وجود واجب الوجود، ما يعلم بصريح المعقول الموافق لقوانينهم المنطقية: أنه قول بامتناع " الشيخ : عندي ما يعلم بصريح المعقول. القارئ : "بصريح المعقول " الشيخ : أنت قلت بطريق المعقول. القارئ : " ما يُعلمُ بصريح المعقول الموافق لقوانينهم المنطقية أنه قول بامتناع الوجود الواجب، وأنه جمع بين النقيضين، وهذا في غاية الجهل والضلال ". الشيخ : لأنه كيف يقولون أن الرب واجب الوجود هو الموجود بشرط الإطلاق، طيب، إذن ليس موجوداً، فيجمعون بين النقيضين: أنه واجب الوجود وأنه مستحيل الوجود، لأن وجود شيء خال من أي قيد أو شرط هذا مستحيل، لو لم يكن من قيده إلا أنه موجود لكفى. والعجب أنهم يقولون: إن الله عز وجل هو الموجود بشرط الإطلاق، ثم يقولون : إنه واجب الوجود، والموجود بشرط الإطلاق مستحيل الوجود، فيجمعون بين النقيضين. اللهم اهدنا. نعم.
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما الرسل صلوات الله عليهم: فطريقتهم طريقة القرآن، قال سبحانه وتعالى: { سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلامٌ على المرسلين. والحمد لله رب العالمين }.
القارئ : " وأما الرسل صلوات الله عليهم طريقتهم طريقة القرآن، قال سبحانه وتعالى: (( سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلامٌ على المرسلين. والحمد لله رب العالمين )) " الشيخ :(( سبحان ربك رب العزة )) رب العزة بمعنى ذي العزة أو صاحب العزة. ولا يمكن أن يكون المراد برب العزة كالمراد بربك، لأن ربك أي خالقك، أما العزة التي هي وصف الله فهي غير مخلوقة، فيتعين أن نحملها على المعنى الآخر في كلمة رب وهو الصاحب، ولا غرابة أن يأتي رب بمعنى صاحب كما في قوله صلى الله عليه وسلم في اللقطة: ( حتى يجدها ربها ) أي: صاحبها. نعم. القارئ : " والله تعالى يخبر في كتابه أنه حي قيوم " الشيخ : قد يقول قائل : ألا يمكن أن يكون المراد بالعزة العزة المخلوقة، يعني رب العزة التي تكون للعباد، كما في قوله تعالى : (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء ))؟ قلنا: هذا ممكن لكنه خلاف ظاهر اللفظ، لقوله : (( سبحان ربك رب العزة عما يصفون )). نعم.
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والله تعالى يخبر في كتابه أنه: حي، قيوم، عليم، حكيم، غفور، رحيم، سميع، بصير، علي، عظيم، خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش، وكلم موسى تكليما، وتجلى للجبل فجعله دكا، يرضى عن المؤمنين، ويغضب على الكافرين ، إلى أمثال ذلك من الأسماء والصفات . ويقول في النفي { ليس كمثله شيءٌ }، { ولم يكن له كفوًا أحدٌ } ، { هل تعلم له سميًا } ، { فلا تجعلوا لله أندادًا } ، فنفى بذلك أن تكون صفاته كصفات المخلوقين، وأنه ليس كمثله شيء، لا في نفسه المقدسة، المذكورة بأسمائه وصفاته، ولا في شيء من صفاته ولا أفعاله سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا : { سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليمًا غفورًا } .
القارئ : " والله تعالى يخبر في كتابه أنه: حي، قيوم، عليم، حكيم، غفور، رحيم، سميع، بصير، علي، عظيم، خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش، كلم موسى تكليما، وتجلى للجبل فجعله دكا، يرضى عن المؤمنين، ويغضب على الكافرين، إلى أمثال ذلك من الأسماء والصفات. ويقول في النفي (( ليس كمثله شيءٌ ))، (( ولم يكن له كفوًا أحدٌ ))، (( هل تعلم له سميًا )) ، (( فلا تجعلوا لله أندادًا ))، فنفى بذلك أن تكون صفاته كصفات المخلوقين، وأنه ليس كمثله شيء، لا في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته، ولا في شيء من صفاته ولا أفعاله سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ". الشيخ : عما يقول الظالمون، الظالمون، ما أشار إليها؟ القارئ : لا يا شيخ، عندي الرسم العثماني رسم المصحف. الشيخ : على كل حال هي في المصحف ما فيها الظالمون (( سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا )) لكن شيخ الإسلام الظاهر أنه ما ساقها على أنها آية. نعم. القارئ : " (( سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليمًا غفورًا )) " الشيخ :(( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن )) ولم يقل وما فيهن كما في قوله : (( يسبح لله ما السماوات وما في الأرض )) ذلك لأن التسبيح في الأصل من صفات العقلاء، والعقلاء لهم في الاسم الموصول من (( ومن فيهن )) ولما أراد عموم الملك في قوله تعالى (( يسبح لله ما في السماوات )) أتى بما الدالة على عموم الملك، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ما في قوله : (( يسبح لله ما في السماوات )) بمعنى من.
هل في قوله تعالى: {وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده } هل يدخل فيه الكافر والجمادات؟، وبيان أن الجمادات لها إرادة .
الشيخ : إذا قال قائل: تسبيح ما في السماوات وما في الأرض، أو من في السماوات والأرض هل يشمل الكفار ؟ نقول: أما بلسان الحال فنعم، وأما بلسان المقال فلا، فإن الكفار لا ينزهون الله عز وجل عما لا يليق به، لكن حاله تدل على تسبيح الله عز وجل وتنزيهه، فهو أي الكافر إذا تأمله الإنسان استدل به على كمال الله عز وجل كمال لخلقه وكمال تقديره وتدبيره، كيف هدى هذا وأضل هذا، وما أشبه ذلك. المهم أننا نقول: الكافر يسبح الله بإيش؟ بلسان الحال، وغيره بلسان الحال والمقال، حتى الجمادات تسبح الله عز وجل، لكن لا نفقه تسبيحهم، ويدل لهذا أن الحصى كان يسبح بيد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الجماد له إرادة، فإن أحد لما صعد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان ارتجف بهم فخاطبه النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ).