تفسير قوله تعالى:" فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً " حفظ
(( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً )) : هذا الأمر للإهانة والتوبيخ، يعني يقال لأهل النار: ذوقوا العذاب إهانة وتوبيخاً فلن نزيدكم إلا عذاباً ولن نخفف عنكم بل ولا نبقيكم على ما أنتم عليه لا نزيدكم إلا عذاباً في قوته ومدته ونوعه، وقد قرأتم في آية أخرى أنهم يقولون لخزنة جهنم: (( ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب )) . تأمل هذه الكلمة من عدة أوجه: أولاً: أنهم لم يسألوا الله سبحانه وتعالى وإنما طلبوا من خزنة جهنم أن يدعوا لهم، لماذا؟ لأن الله قال لهم: (( اخسئوا فيها ولا تكلمون ))، فرأوا أنفسهم أنهم ليسوا أهلاً لأن يسألوا الله ويدعوه بل بواسطة. ثم قالوا: (( ادعوا ربكم )) ولم يقولوا: ادعوا ربنا، لأن وجوههم وقلوبهم لا تستطيع أن تتحدث أو أن تتكلم بإضافة ربوبية الله لهم أي بأن يقولوا ربنا، عندهم من العار والخزي ما يرون أنهم ليسوا أهلاً لأن تضاف ربوبية الله إليهم بل قالوا (( ربكم )) .ثم انظروا أنهم لم يقولوا يرفع عنا العذاب، قالوا: (( يخفف )) لأنهم آيسون نعوذ بالله، آيسون من أن يرفع عنهم. ثم انظروا أيضاً هل قالوا يخفف عنا العذاب دائماً؟ قالوا (( يوماً من العذاب )) يوماً واحداً، يتبين لكم إذا تصورتم هذه الحال، يتبين لكم ما هم عليه من العذاب والهوان والذل (( وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي )). أعاذنا الله وإياكم منها. ذكر الله عز وجل ما للمتقين من النعيم، لأن القرآن مثاني إذا ذكر فيه العقاب ذكر فيه الثواب، وإذا ذكر الثواب ذكر العقاب، وإذا ذكر أهل الخير ذكر أهل الشر، وإذا ذكر الحق ذكر الباطل، مثاني حتى يكون سير الإنسان إلى ربه بين الخوف وأيش؟ والرجاء، لأنه إن غلب عليه الرجاء وقع في الأمن من مكر الله، وإن غلب عليه الخوف وقع في القنوط من رحمة الله، وكلاهما من كبائر الذنوب، كلاهما شر، لا الأمن من مكر الله ولا القنوط من رحمة الله، كذلك تجدون القرآن الكريم يأتي بهذا وبهذا، ولئلا تمل النفوس من ذكر حال واحدة والإسهاب فيها دون ما يقابلها، وهذا من بلاغة القرآن الكريم، ونقف إلى هذا الحد لاستغلال بقية الوقت في الأسئلة التي ربما يكون فيها فوائد كثيرة فنبدأ بهذه الأسئلة.