تفسير سورة المطفيين: قال الله تعالى:" ويل للمطفيين. الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون " بيان حقوق الزوجين حفظ
فنقول أن الله ابتدأ هذه السورة بكلمة (( ويل ))، وويل تكررت في القرآن كثيراً، وهي على الأصح كلمة وعيد يتوعد الله سبحانه وتعالى بها من خالف أمره، أو ارتكب نهيه على الوجه المقيد في الجملة التي بعدها فهنا يقول عز وجل (( ويل للمطففين )) فمن هؤلاء المطففون؟ المطففين، هؤلاء المطففون فسرتهم الآيات التي بعدها فقال تعالى: (( الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون )). (( إذا اكتالوا على الناس )) أي اشتروا منهم ما يكال (( يستوفون )) استوفوا منهم الحق كاملاً بدون نقص (( وإذا كالوهم أو وزنوهم )) يعني إذا كالوا لهم أي هم الذين باعوا الطعام كيلاً، فإنهم إذا كالوا للناس أو باعوا عليهم شيئاً وزناً إذا وزنوا للناس نقصوا (( يخسرون )) فهؤلاء - والعياذ بالله - يستوفون حقهم كاملاً، وينقصون حق غيرهم، فجمعوا بين الأمرين، بين الشح والبخل، الشح: في طلب حقهم كاملاً بدون مراعاة أو مسامحة، والبخل: بمنع ما يجب عليهم من إتمام الكيل والوزن، وهذا المثال الذي ذكره الله عز وجل في الكيل والوزن هو في الحقيقة مثال، فيقاس عليه كل ما أشبه، كل من طلب حقه كاملاً ممن هو عليه ومنع الحق الذي عليه فإنه داخل في الآية الكريمة، فمثلاً الزوج يريد من زوجته أن تعطيه حقه كاملاً ولا يتهاون في شيء من حقه، لكنه عند أداء حقها يتهاون ولا يعطيها الذي لها، وما أكثر ما تشكي النساء من هذا الطراز من الأزواج ـ والعياذ بالله ـ حيث إن كثيراً من النساء يريد منها الزوج أن تقوم بحقه كاملاً، لكنه هو لا يعطيها حقها كاملاً، ربما ينقص أكثر حقها من النفقة والعشرة بالمعروف وغير ذلك، والغريب أيها الإخوة أن هذا يقع كثيراً من الناس الذين ظاهرهم الالتزام حتى إن بعض النساء تقول أنا ما اخترته، أقول لهذا الزوج: إنه لما له من السمعة الحسنة والالتزام فإذا به ينقلب ويكون أسوأ حالاً بالنسبة لزوجته من أهل الفسق ، فلا أدري عن هؤلاء الذين ظاهرهم الالتزام، هل يظنون أن الالتزام أن يقوم الإنسان بعبادة الله فقط ويضيع حقوق الخلق؟ أن يقوم بعبادة الله فقط ويضيع حقوق الناس؟ إن ظلم الناس أشد من ظلم الإنسان نفسه في حق الله، لأن ظلم الإنسان نفسه في حق الله تحت المشيئة إذا كان دون الشرك، إن شاء الله غفر له، وإن شاء عاقبه عليه، لكن حق الآدميين ليس داخلاً تحت المشيئة لابد أن يوفى، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من تعدون المفلس فيكم؟ ) قالوا: من لا درهم عنده ولا دينار أو قالوا: ولا متاع، قال: ( لا، المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال ـ كثيرة ـ فيأتي وقد ظلم هذا، وشتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن بقيت من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار )، فنصيحتي لهؤلاء الذين يفرطون في حق أزواجهم سواءً كانوا من الملتزمين أو من غيرهم أن يتقوا الله عز وجل فإن النبي صلى الله عليه وسلّم أوصى بذلك في أكبر مجمع شهده العالم الإسلامي في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام في يوم عرفة في حجة الوداع، قال: ( اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله )، فأمرنا أن نتقي الله تعالى في النساء وقال: ( اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم ) أي بمنزلة الأسرى لأن الأسير إن شاء فكه الذي أسره وإن شاء أبقاه، والمرأة عند زوجها كذلك إن شاء طلقها وإن شاء أبقاها، فهي بمنزلة الأسير عنده فليتق الله فيها، كذلك أيضاً نجد بعض الناس يريد من أولاده أن يقوموا بحقه على التمام لكنه مفرط في حقهم، فيريد من أولاده أن يبروه ويقوموا بحقه، أن يبروه في المال، وفي البدن، وفي كل شيء يكون به البر، لكنه هو مضيع لهؤلاء الأولاد، غير قائم بما يجب عليه نحوهم، نقول هذا مطفف، كما نقول في المسألة الأولى في مسألة الزوج مع زوجته إنه إذا أراد منها أن تقوم بحقه كاملاً وهو يبخس حقها نقول إنه مطفف فهذا الأب الذي أراد من أولاده أن يبروه تمام البر وهو مقصر في حقهم نقول إنك مطفف ونقول له تذكر قول الله تعالى: (( ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون )) .