تفسير سورة التكاثر: قال الله تعالى:" ألهاكم التكاثر " وذكر أوجه تكاثر الناس حفظ
(( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر )): هذه الجملة جملة خبرية يخبر الله عز وجل بها العباد مخاطباً لهم يقول: (( ألهاكم التكاثر ))، ومعنى (( ألهاكم )): أي شغلكم حتى لهوتم عن ما هو أهم من ذكر الله تعالى والقيام بطاعته، والخطاب هنا لجميع الأمة إلا أنه يخصص بمن شغلتهم أمور الآخرة عن أمور الدنيا وهم قليل، وإنما نقول هم قليل لأنه ثبت في الصحيحين أن الله تبارك وتعالى يقول يوم القيامة: ( يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك، فيقول: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألفٍ تسع مئة وتسعة وتسعون )، واحد في الجنة والباقي في النار، وهذا عدد هائل! إذا لم يكن من بني آدم إلا واحداً من الألف من أهل الجنة والباقون من أهل النار، إذاً فالخطاب بالعموم في مثل هذه الآية جار على أصله، لأن الواحد من الألف ليس بشيء بالنسبة إليه، وأما قوله: (( التكاثر )): فهو يشمل التكاثر بالمال، والتكاثر بالقبيلة، والتكاثر بالجاه، والتكاثر بالعلم، وبكل ما يمكن أن يقع فيه التفاخر، ويدل لذلك قول صاحب الجنة لصاحبه: (( أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً )). فالإنسان قد يتكاثر بماله فيطلب أن يكون أكثر من الآخر مالاً وأوسع تجارة، وقد يتكاثر الإنسان بقبيلته، يقول نحن أكثر منهم عدداً، كما قال الشاعر: ولست بالأكثر منهم حصى *** وإنما العـــزة للكــــاثر ، أكثر منهم حصى، لأنهم كانوا فيما سبق يعدون الأشياء بالحصى، فمثلاً: إذا كان هؤلاء حصاهم عشرة آلاف، والآخرون حصاهم ثمانية آلاف صار الأول إيش؟ أكثر وأعز، فيقول الشاعر: لست بالأكثر منهم حصى *** وإنما العزةُ للكــــــاثر ، كذلك يتكاثر الإنسان بالعلم، فتجده يفخر على غيره بالعلم لكن إن كان بالعلم الشرعي فهو خير، وإن كان بالعلم غير الشرعي فهو إما مباح وإما محرم، المهم أن أكثر ما يقع منه التكاثر العلم، وهذا هو الغالب على بني آدم التكاثر. فيتكاثرون في هذه الأمور عما خلقوا له من عبادة الله عز وجل.