تفسير قوله تعالى:" حتى زرتم المقابر " وبيان خطأ قول الناس في الميت: انتقل إلى مثواه الأخير حفظ
وقوله: (( حتى زرتم المقابر )) : يعني إلى أن زرتم المقابر، يعني إلى أن مُتم، والإنسان مجبول على التكاثر إلى أن يموت، بل كلما ازداد به الكِبر ازداد به الأمل، فهو يشيب في السن ويشب في الأمل، حتى إن الرجل له تسعون سنة مثلاً تجد عنده من الآمال وطول الأمل ما ليس عند الشاب الذي له خمس عشرة سنة. هذا هو معنى الآية الكريمة. أي: أنكم تلهوتم بالتكاثر عن الآخرة إلى أن متم. وقيل: إن معنى (( حتى زرتم المقابر )): حتى أصبحتم تتكاثرون بالأموات كما تتكاثرون بالأحياء، فيأتي الإنسان فيقول: أنا قبيلتي أكثر من قبيلتك وإذا شئت فاذهب إلى القبور عد القبور منا، وعد القبور منكم فأينا أكثر؟ لكن هذا قول ضعيف بعيد من سياق الآية، والمعنى الأول هو الصحيح، أنه إيش؟ أنكم تتكاثرون إلى أن تموتوا. وقوله: (( حتى زرتم المقابر )): استدل به عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ على أن الزائر لابد أن يرجع إلى وطنه، وأن القبور ليست بدار إقامة، وكذلك يذكر عن بعض الأعراب أنه سمع قارئا يقرأ: (( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ))، فقال: " والله لنبعثن "، لأن الزائر كما هو معروف يزور ويرجع، فقال: " والله لنبعثن " . وهذا هو الحق، وبهذا نعرف أن ما يذكره بعض الناس الآن في الجرائد وغيرها. يقول عن الرجل إذا مات: " إنه انتقل إلى مثواه الأخير "، أن هذا كلام باطل وكذب، لأن القبور ليس هي المثوى الخير، بل لو أن الإنسان اعتقد مدلول هذا اللفظ لصار كافراً بالبعث، والكفر بالبعث ردة عن الإسلام، لكن كثيًرا من الناس يأخذون الكلمات على عوائلها ولا يدرون ما معناها، ولعل هذه موروثة عن الملحدين الذين لا يقرون بالبعث بعد الموت.