قال الله تعالى : << سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم و يقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب و يقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مرآءا ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا >> حفظ
ثم قال عز وجل : (( سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ )) هنا (( سيقولون ثلاثة )) ، (( ويقولون خمسة )) كيف يمكن أن يكون قولان لقائل واحد ؟ هذا يخرج على وجهين : إما أن المعنى سيقول بعضهم : ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقول البعض الآخر : خمسة سادسهم كلبهم، ويقول البعض الثالث : سبعة وثامنهم كلبهم ، أو أن المعنى سيترددون في هذا مرة يقولون : ثلاثة ، ومرة يقولون : خمسة ، ومرة يقولون : سبعة ، وكلاهما محتمل ولا يتنافيان ، فتجدهم أحياناً يقول كذا ، وأحياناً يقول كذا حسب ما يقوم في ذهنه . قال الله تعالى : (( رجماً بالغيب )) قاله في الذين قالوا : (( ثلاثة رابعهم كلبهم )) و (( خمسة سادسهم كلبهم )) كلا القولين قال الله تبارك وتعالى : إنهم قالوه رجماً بالغيب ، أي راجمين بالغيب وليس عندهم يقين ، (( وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ )) ولم يقل : رجما بالغيب ، بل سكت سبحانه وتعالى ، وهذا يدل على أن عددهم كم ؟ سبعة وثامنهم كلبهم ، لأن الله لما أبطل القولين الأولين وسكت عن الثالث صار الثالث صواباً ، نظيره قول الله تبارك وتعالى عن المشركين إذا فعلوا فاحشة قالوا : (( قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا )) هذا واحد ، (( وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا )) هذا اثنين ، قال الله تعالى : (( قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ )) وسكت عن قولهم : (( وجدنا عليها آباءنا )) وأبطل قولهم والله أمرنا بها وسكت عن الأول ودل هذا على أن الأول صحيح ، و هذا أيضاً نقول : لما قال : (( رجما بالغيب )) في القولين الأولين وسكت عن الثالث نقول : إذاً نجزم بأنهم سبعة وثامنهم كلبهم قال الله عز وجل : (( قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ )) يعني إذا حصل نزاع فقل للناس : (( ربي أعلم بعدتهم )) وهل أعلمنا الله بهذه العدة ؟ نعم أعلمنا بأنهم سبعة وثامنهم كلبهم ، يعني فإذا كان الله أعلم بعدتهم فالواجب أن نرجع إلى ما أعلمنا الله ونقول جازمين : بأن عدتهم وثامنهم كلبهم ، (( قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ )) يعني ما يعلمهم قبل إعلام الله أنهم سبعة وثامنهم كلبهم إلا قليل ، ثم قال عز وجل : (( فَلا تُمَارِ فِيهِمْ )) أي في شأنهم ، في زمنهم ، في مكانهم ، في عددهم ، في مآلهم (( لا تمار فيهم إلا مراءً ظاهرا )) يعني إلا جدلاً ظاهراً لا يصل إلى القلب لأن الجدال إذا وصل إلى القلب اشتد المجادل، وغضب، وانتفخت أوداجه، وتأثر، لكن لما لم يكن للجدال فيهم كبير فائدة قال الله تعالى : (( لا تمار فيهم إلا مراءً ظاهراً )) مراء على اللسان لا يصل إلى القلب ، (( وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا )) ولا تستفت في أهل الكهف (( منهم )) أي من الناس سواء من أهل الكتاب أو غيرهم (( أحداً ))