قال الله تعالى : << و يوم نسير الجبال و ترى الأرض بارزة و حشرناهم فلم نغادر منهم أحدا >> حفظ
ثم قال عز وجل : (( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ )) أذكر يوم نسير ، وعلى هذا فـ (( يوم )) ظرف عامله محذوف التقدير أذكر يوم نسير الجبال (( وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ )) إلى آخره يعني أذكر لهم للناس هذه الحال وهذا المشهد العظيم يوم نسير الجبال ، وقد بين الله عز وجل في آية أخرى أنه يسيرها فتكون سراباً وتكون كالعهن المنفوش ، وذلك أن الله تعالى يدك الأرض وتصبح الجبال كثيباً مهيلاً ثم تتطاير في الجو هذا معنى تسييرها ، ومن ذلك من الآيات الدالة على هذا قول الله تبارك وتعالى في سورة النمل : (( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ))[النمل:88] بعض الناس قال : أن هذه الآية في النمل يعني دوران الأرض ، وأنك ترى الجبال تظنها ثابتة ولكنها تسير ، وهذا غلط وقول على الله تعالى بلا علم ، لأن سياق الآية متى ؟ يوم القيامة كما قال الله تعالى : (( وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ * وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ ))[النمل:87-89] ، والآية واضحة أنها يوم القيامة وأما زعم هذا الرجل القائل بذلك بأن يوم القيامة تكون الأمور حقائق وهنا يقول : (( ترى الجبال تحسبها )) فلا حسبان في الآخرة فهذا غلط أيضاً لأنه إذا كان الله أثبت هذا فيجب أن نؤمن به ثم إن الله عز وجل يقول : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ))[الحج:1-2] ، فإذا قلنا : أن زلزلة الساعة هي قيامها فأثبت الله أن الناس يراهم الرائي ويظنهم سكارى وما هم بسكارى ، على كل حال الواجب علينا في وهذه قاعدة ينبغي لنا أن نفهمها الواجب علينا أن نجري الآيات على ظاهرها وأن نعرف السياق بأنه يعين المعنى ، فكم من جملة في سياق جمل أخرى لو كانت في غير هذا السياق لكان لها معنى ؟ ولكنها في هذا السياق يكون لها المعنى المناسب للسياق ، (( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً )) ظاهرة ، الأرض لأنها تكون قاعاً واحداً ، وهي الآن ما هي بارزة لأنها مكورها أكثرها الآن غير بارز لنا أليس كذلك ؟ ثم إن البارز لنا أيضاً كثير منهم مختفٍ في الجبال لا نراه لكن يوم القيامة لا جبال ولا كروية تمد الأرض مد الأديم كما قال الله عز وجل : (( إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ ))[الانشقاق:1-3] ، (( إِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ )) معناها الآن غير ممدودة ، الآن هي مكورة لكن يوم القيامة تمد ، سبحان الله العظيم (( وَحَشَرْنَاهُمْ )) يعني جمعناهم أي الناس جميعاً ، بل إن الوحوش تحشر كما قال الله عز وجل : (( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ))[التكوير:5] ، بل غير الوحوش أيضاً كما قال تعالى في سورة الأنعام (( ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ))[الأنعام:38] ، لما ذكر الدواب كلها قال : (( ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )) أتل الآية كلها أحسن (( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )) كل شيء يحشر ولهذا يقول عز وجل هنا : (( وَحَشَرْنَاهُمْ )) يعني الناس جميعاً وفي الآيات الأخرى أنه تحشر الوحوش وأنها تحشر جميع الدواب ، (( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا )) الله أكبر ، (( نغادر )) يعني نترك ، (( منهم أحداً )) كل الناس يحشرون ، إن مات في البر حشر ، في البحر حشر ، في أي مكان ، لابد أن يحشر يوم القيامة ويجمع .