قال المصنف رحمه الله تعالى : فصل :ونؤمن بالقدر خيره وشره , وهو تقدير الله تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه واقتصته حكمته . حفظ
الشيخ : فصل : " ونؤمن بالقدر خيره وشره، وهو تقدير الله تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته ".
نؤمن بالقدر خيره وشره، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث جبريل: ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ) وهذه الخمسة والحمد لله كلها تكلمنا عليها، كلها سبقت. بقي السادس وهو الإيمان بالقدر خيره وشره.
الإيمان بالقدر واجب، لأنه من الإيمان بالله، وقوله: " خيره وشره " القدر: هو تقدير الله سبحانه وتعالى للكائنات حسب ما تقتضيه حكمته ويقتضيه علمه، فالمقدر للخير هو الله والمقدر للشر هو الله - انتبه - كل ما في الكون من خير وشر ونعم وبلاء وفقر وغنى وعز وذل وكفر وإيمان كله من؟ من الله عز وجل، ما في شيء خرج عن ملكه.
لكن يبقى النظر كيف يكون الشر من الله؟
نقول: نعم يكون الشر من الله، لكن ليس إلى الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح : ( والشر ليس إليك ) وانتبه للفرق الدقيق بين قولك: الشر من الله، والشر ليس إلى الله.
الشر من الله يعني: أن هذه الشرور التي يحدثها الله عز وجل شرور خلقها من؟ الله. الحريق الذي يتلف أموالا وأنفسا شر، خلقه الله. العواصف المدمرة خلقها الله، الفيضانات المغرقة خلقها الله، الأوبئة المهلكة خلقها الله، وكلها شر. المعاصي والكفر والإلحاد والتطاحن بين المؤمنين والكفار شر لكن خلقه من؟ الله.
طيب. إذن كل شيء من الله، لكن الشر ليس إليك، بمعنى: أن هذا الشر الكائن في المخلوق ليس شرا بالنسبة لفعل الله، ليس شرا بالنسبة لفعل الله. ليش؟ لأن الله تعالى لا يقدره إلا لحكمة. فإذا كان تقديره لحكمة كان خيرا بالنسبة للغاية الحميدة. واضح يا إخوان؟ واضح، الإنسان قد يصاب بمرض يتأذى به ويشق عليه، لكن هذا المرض ربما يكون سببا في استقامته. أليس كذلك؟ كثير من الناس استقاموا حين ابتلوا ببلاء.
حدثني رجل أنه كان من أشد الناس إلحادا، لا يصلي ولا يتحاشى عن زنا ولا عن مخدرات ولا عن خمور، سبحان الله! فاسق بمعنى الكلمة، فمات أبوه، مات أبوه الي كان عاجز عن تربيته، مات أبوه يقول سبحان الله لما مات أبي وعرفت المصيبة آمنتُ آمنتُ، سبحان الله العظيم! آمن لأنه عرف الله عز وجل آمن واستقام، وصار إلى أن حدثني من الملتزمين الذين نشهد لهم بالخير.
إذن هذه المصيبة التي حصلت له بفقد أبيه صارت ايش؟ صارت خيرا له، صارت خيرا له.
كذلك الإنسان يصاب بالمرض بعد الصحة، لا يمكن أن يعرف قدر الصحة تماما حتى يصاب بالمرض أبدا. أنت الآن والحمد لله تتنفس بسهولة تتكلم بسهولة تقضي حاجتك بسهولة، لكن لو أصبت بعائق بضيق نفس، عرفت قدر نعمة الله عليك بالنفس أو لا؟ نعم. لو أصبت بحبس البول عرفت قدر نعمة الله عليك بسهولة إخراجه. لو أصبت بسلل البول عكس الحبس ايش؟ عرفت نعمة الله عليه بالقدرة على حبسه.
إذن الشرور التي تكون في مفعولات الله ليست شرا بالنسبة لفعل الله، بالنسبة لفعل الله، فعل الله كله خير، والشر في المفعولات.
انتبه للفرق الدقيق حتى لا يشكل عليك قول الرسول : ( تؤمن بالقدر خيره وشره ).
إذن تؤمن بالقدر أي تؤمن بالمقدور خيره وشره، أما القدر الذي هو تقدير الرب عز وجل فوالله إنه كله خير، كله خير.
طيب. وجود الشيطان خير؟
الطالب : نعم.
الشيخ : عجيب. خير ؟ نعم لولا وجود الشيطان ما عرفنا قدر الطاعات، لأن الذي يجاهدنا على الطاعات هو الشيطان، والذي يوسوس لنا بالمعاصي هو الشيطان، ولا نعرف قدر النعمة إلا بذلك، لولا الشيطان ما كان هناك كافر، ولم يستقم الجهاد ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهلم جرا. الأفاعي السباع وجودها خير ولا لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : لكنها هي شر، لكن وجودها لتعرف بذلك قدر نعمة الله عليك. الأفعى ما هي بالنسبة للبعير؟
الطالب : لا شيء
الشيخ : الأفعى والبعير ويش النسبة بينهما؟
الطالب : قليل.
الشيخ : الأفعى كذيل البعير، ومع ذلك الأفعى لو تمسكك لأهلكتك. البعير تأتي إليك منقادة بكل سهولة، الصبي الصغير الي أقل من ساق البعير يقودها بكل سهولة يبركها ويحمل عليها ويركبها وهي تتجرر. تعرفون تتجرر؟ تعلف الطعام، تعلف الطعام، ما على بالها أبدا. بهذا تعرف قدرة الله عز وجل ورحمته وحكمته، وأشياء كثيرة يطول شرحها.
لكن المهم أن نؤمن بأن كل ما وقع في السماوات أو في الأرض فإنه ايش؟ بتقدير الله عز وجل من خير أو شر، تؤمن بالقدر خيره وشره.
المعاصي بتقدير الله أفهمتم؟ العجب أن المعتزلة الذين ينزهون الله عز وجل يقولون المعاصي من فعل العبد وليست من الله. قال قائلهم مرة: " سبحان من تنزه عن الفحشاء " سبحان من تنزه عن الفحشاء. كلمة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. أنت إذا قلت سبحان الله العظيم، سبحان من تنزه عن الفحشاء، لأن الله قال في كتابه : (( قل إن الله لا يأمر بالفحشاء )) فقال: سبحان من تنزه عن الفحشاء، يريد أن زنا الزاني ليس بتقدير الله. فقال له السني: " سبحان من لا يكون في ملكه إلا ما يشاء ". خصمه أو لا؟ خصمه، لأنك إذا قلت المعاصي ما هي مخلوقات لله، صار في ملك الله ما لا يريد، وصار ملك الله قاصرا لم يعم كل شيء. طيب انتهى الوقت؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم.
قال المؤلف رحمه الله: " وهو تقدير الله تعالى للكائنات حسب ما سبق به علمه " إذن الله عز وجل عالم بكل شيء، حتى الذي لم يقع هو عالم به.
لكن هنا إشكال، قال الله تعالى : (( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين )) وقال تعالى : (( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين )). هاتان الآيتان وأمثالهما تقتضيان تجدد علم الله عز وجل.
ونحن نقول: إن علم الله أزلي سابق، فكيف نجيب عن هذه الآيات؟
نقول: الجواب عن هذه الآيات من وجهين:
الوجه الأول: أن علمه بها بعد وقوعها علم بوقوعها، وعلمه بها قبل وقوعها علم بأنها ستقع، وبينهما فرق. أنا مثلا عندما أعرف أنه سيؤذن الظهر الساعة الثانية وعشر دقائق هذا علم بها قبل وقوعها، فإذا أذن في هذا الوقت فهذا علم ليس متجددا، لأنه سبق أني أعلم بذلك، لكنه علم به بعد وقوعه. فعلم الله بالكائنات قبل وقوعها علم بأنها ستقع، وعلمه بها بعد وقوعها علم بأنها واقعة. هذا واحد.
الوجه الثاني وهو أسدّ: أن نقول علم الله بها قبل وقوعها علم لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب، وعلمه بعد وقوعها هو العلم الذي يترتب عليه الثواب والعقاب. وعلى هذا فقوله : (( حتى نعلم )) أي علما يترتب عليه؟ امشوا؟
الطالب : الثواب والعقاب.
الشيخ : الثواب والعقاب، لأن العلم الأول لا يترتب عليه ثواب وعقاب، لأن هذا ... لم يوجد أصلا، لم يوجد. إن الله علم أن العاصي سيعمل هذه المعصية قبل كل شيء، علم أزلي، لا يزال في نفس الله عز وجل، قبل أن يخلق هذا المخلوق الذي عصى الله، لكن علمه بعد المعصية هو العلم الذي يترتب عليه ايش ؟ الثواب والعقاب.
قلنا ذلك، لأن الله تعالى قال في كتابه : (( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء الأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير )).
نعم. هذا القدر " نؤمن بأن الله تعالى قدر كل شيء حسب ما سبق به علم واقتضته حكمته ".
انتبه لهذه الجملة الثانية " اقتضته حكمته " والحكمة وضع الأشياء في مواضعها.
اعلم أن كل شيء يقع من الكائنات وأن كل شيء يحكم الله به من المشروعات اعلم أنه على وفق الحكمة. وإذا آمنت بذلك فإنك سوف تعلم أن الواقع شرعا أو الواقع قدرا لا اعتراض عليه بوجه من الوجوه. انتبه يا أخي لهذا لأن الإنسان لقصور علمه قد يتراءى له أن هذا الشيء مخالف للحكمة، قد يتراءى له أن هذا الشيء مخالف للحكمة. نقول : إنه إذا تراءى لك أن هذا الشيء مخالف للحكمة فاتهم ايش؟ رأيك اتهم رأيك، لأن الذي قدره أو شرعه هو الله عز وجل وهو أحكم الحاكمين. فلا يمكن يوجد شيء من الكائنات أو شيء من المشروعات إلا وهو على وفق الحكمة، ولذلك يجب أن نسلم للشرع ونستسلم للقدر، واجب، لو لم نفعل ذلك ما رضينا بالله ربا. الذي يرضى بالله ربا هو الذي يسلم لشرعه ويستسلم لقدره، ويقول: لا شك أن هذا لحكمة عظيمة إما أن أعلمها الآن وإما أن أعلمها بعد الآن.
ولهذا نضرب لكم مثلا صغيرا. الإنسان يريد شيئا من الأشياء أحيانا ثم يجد موانع تمنعه من فعله، أو مقتضيات تقتضي أن يفعل غيره، فتجده يندم ويتكدر، وإذا بالأمر يكون الخيرة فيما اختار الله، يعلم أنه لو فعل الأمر على ما قدره هو سوف ينعكس عليه، لكن الله قدر الأمر على خلاف ما يريد لحكمة وهي من مصلحة العبد.
ولا أدري هل يقع ذلك في يومياتكم أو في شهوركم أو في سنواتكم أو في أعماركم أو لم يقع منكم شيء من ذلك؟ واقع واقع. أنا أحدثكم عن نفسي أحيانا أريد شيئا وأصر عليه وإذا لم يتيسر لي ندمت. ثم إذا بالأمر تكون الخيرة فيما لم أرده بل فيما جرى.
إنسان مثلا نقل في وظيفته من بلد إلى آخر تجده يتكدر، وكيف أذهب عن أصحابي الذين كنت معهم إلى بلد لا أعرفه، ثم يقدر له في هذا البلد.