تفسير قول الله تعالى : (( إن الله على كل شيء قدير )) حفظ
(( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) هذا تعليل لِقوله: (( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يشاء )) يعني كأن سَائِلًا يسأل: وهل ذلك صَعْبٌ عليه؟ فكان الجواب مِن هذه الجملة أنه سَهْل، لأن الله على كل شَيْءٍ قدير، (( عَلَى كُلِّ شَيْءٍ )) (( قَدِيرٌ )) إذْ كُلُّ شَيْءٍ موجُود قَادرٌ على إيش؟ إعدَامِه وكل مَعْدُوم قادِر على إيجادِه، لكن لو قال لك قائل: هل يقدِرُ على أن يجعل الـمُتَحَرِّكَ سَاكِنًا في آنٍ واحد؟
الطالب: ....
الشيخ : هل يقدر على أن يجعلَ الشيء المتحَرِّك ساكناً في آنٍ واحد؟ ما هو بأَن يجعَل المتحرك ساكنًا يعني يسَكِّن المتحَرِّك ، أو يحَرِّك الساكن هذا واضح، لكن في آنٍ واحد؟
الطالب: يقدر ولكن ...
الشيخ : آا؟ يقدِر؟
الطالب: (( أَلمْ تَرَ إلى ربِّك كيف مَدَّ الظلَّ ))
الشيخ : إي (( ولو شاءَ لَجَعَلَه ساكِنًا )) ما يخالف، حِنَّا نقول: المتحرك، يقدر أن يجعل المتحرك ساكنًا، لكنَّه لا ساكنٌ في حَالِ تَحَرُّكِه، لأنَّ (مُتحَرِّك ساكن) يمتنع.
الطالب: يقدِر ولكنَّه ما جَرَتْ به العادَة.
الشيخ : لا، لا، يقدِر -عزَّ وجل- أنه يطَلِّع الشَّمْس الساعة اثنا عشر مِن الليل لكن ما جَرَتْ به العادة، لكن كلمَة (مُتَحَرِك) ضِدّ أو نقِيض (سَاكِن)، أنت لو قلت إذا وصَفْتَه بالمتحَرِّك يَقِين ليس بِسَاكِن، وصفْتَه بأنَّه سَاكِن يقين ليس بِمُتَحِرِّك، نعم، فلذلك قال العلماء: " إنَّ المستحيل غير وَارِد " لأنَّه مستحيل يعني ما يمكن وجودُه، .. ما يُمْكِن باعتبار قُدْرَةِ الله، لكنْ الله عز وجل إذا أراد أن يجعَل هذا المتَحَرِّك متحركًا صارَ مُتَحَرِّكًا لا ساكِنًا، أما يكون مُتَحَرِّك ساكن كيف يكون مُتَحَرِّك ساكن؟ الـمُتَحَرِّك غير سَاكِن، يقالُ: إنَّ الشيطان كان يفرَح بموتِ العالم إذا قيل: مات فُلان العالِم فَرِح وسَوَّى حَفْلَة، نعم، واسْتَأْنَس، لكن إذا قِيل: مات عَابِد يقول: .. ما يهم يموت .. ما يموت، عرفتم، فقال له جنودُه: يا سيدنا ليش انَّك تفرح بموت العالم هذا الفرح العظيم، وموت العابِد ما يهمك؟ مع أن العابد مُنْقَطِع عن الدنيا وزاهِد في الدنيا ويُكْثِر الذِّكْر والصَّلَاة وغيرها؟ قال: .. لأن العالِم أشد عليّ مِن العابِد، قال: كيف؟ قال: أنا أوَرِّيكُم الآن روحُوا للعابِد وقولُوا له: هل يقْدِرُ الله عز وجل على أن يجْعَل السماوات والأرض في بيْضَة؟ في جوفِ بيضَة؟ ولَّا لا؟ راحوا للعابِد قالوا له: هل إنَّ الله يقدر على أن يجعل السماوات والأرض في جوفِ بيضة؟ قال: عاد هذا مستحيل هذا، السماوات والأرض على كبرها .. في بيضة، رأسي لو يصير في بيضة فقَّسها، رأسه وهو ما هو شيء بالنسبة لك، ما يصح هذا، ما يمكن هذا ولا يقدِر الله على هذا، قال : زين، قولوا له: هل يقدِر الله أن يخلق مثلِه؟ أن يخلُق مِثْل الله؟ فذهبوا له قالوا: ما تقول هل يقدِر الله أن يخلق مثل الله؟ قال: نعم، بسيط هذا، إنَّ الله على كل شيء قدير يقدر الله أن يخلق رب مثله، طيب إذًا كفَرَ هذا العابد سَلْبًا وإِيجَابًا، نفيُه القُدْرَة في الأوَّل كفر وإثباته القدرة في الثاني كُفر قال: يللا شوفوا، يللا روحوا للعالِم اسألوه عن السؤالين ..، جاءوا للعالم قال: هل يقدِر الله عز وجل على أن يجعل السماوات والأرض في جوف بيضة؟ قال: نعم يقولُ كُن فيَكُون، إما أن تصغَر السماوات والأرض ولَّا تكْبَر البَيْضة المهم إذا أَرَاد قالَ فَكَان، قال: طيب هل يقدِر الله أن يخلق مثلَه؟ قال: هذا مستحيل هذا أمرٌ مستحيل والمثْلِيَّة لا يمكن أن تتطَابَق أبدًا، لو لم يكن مِن الفارِق العظِيم إلا أنَّ هذا حادِث وذاك واجِدُ الوُجُود، هذا مستحيل، قال: يللا شوفوا.
فالمهم أنَّ الله عز وجل على كل شيء قدير، لكن الشيءُ المستحيل الذي لا يُتَصَوَّر لَا يُتَصَوَّر، وليس المراد هنا المستحِيل عَادَةً، المستحيلُ عادةً يُخْلِفُه الله عز وجل لأن الله هُو خَالِق العَادَة وقادِر على تغْيِيرِها، وهذه النار التي تُحْرِق كانت بَرْدًا وسلامًا على إبراهيم، وهذا الماء السَيَّال صارَ جامِدًا كالطودِ العَظِيم، والعادَة ممكن أن الله يغَيِّرها عز وجل وبكل سهولة، لكن الكَلام على الأمر الـمُمْتَنِع المستَحِيل، يقول العُلَمَاء: إنه لا تَتَعَلَّق به القُدْرَة وَأَنَّه مُسْتَحِيل ولهذا قال السَّفَّارِينِي في العَقِيدَة:
واقْتَدَر بِقُدْرَةٍ تَعَلَّقَتْ بِمُمْكِنِ
وهذا أمْر مُتَّفَقٌ عليه عند العُقَلَاء.
طيب وقولُه: (( إنَّ اللهَ على كُلِّ شَيءٍ قَدِير )) ما فيه اسْتِثْنَاء (( إن الله على كل شيء قدير )) كتَبَ الجَلال رحِمَه الله -وهو السُّيُوطي- على هذه الآية في سورة المائدة قال: " وَخَصَّ العقلُ ذاتَه فليْسَ عليْهَا بِقَادِر " يعني على كُلِّ شيء قَدِير إلَّا على ذاتِه فليس عليها بقادِر، ما تقولُون في هذا الاستِثْنَاء؟ باطل؟ نقُول: هذا لا شَكّ أنَّه باطِل، لأن الآية (( إنَّ اللهَ على كل شيء قدير )) (( كل شَيء )) وقولك: إن العقل خَصَّ ذاتَه فليس عليها بقادر نقول: إنَّ العقْل لا يُمْكِنُه أن يُخَصِّص هذا الخبَر بدون دليل ولو ذهبنا نخصص مثل هذه العمومات بالعُقُول لأبطلْنَا كثيرًا مِن دَلَالَات الكتاب والسُنَّة، وماذا تريد بقولِك: " خصَّ العقل ذاتَه فليس عليها بقادر "؟ إن أرَدتّ أنه سبحانه وتعالى لم يكُن قادرًا على ذاتِه بمعنى أنه لا يقْدِر مثلًا أن يُمْرِض نفسَه أو أن يُعْدِم نفسَه -سُبْحَانَه وتَعَالَى - فهذا أصْلٌ لم تتعَلَّقْ به القُدرة، لأنَّ هذا مِن الأُمُور إيش؟ المستَحِيلَة، وإن أردتَّ أنَّه لا يقدِر على أن يَفْعَل -ولعلَّ هذا مرادَه أو ولعلَّ هذا مرادُه- إن أردت أنه ليس قادرًا على أن يفعَل لأنَّ الأشاعرة ومَن شابَهَهُم ينكِرُون الأفعال الاخْتِيَارِيَّة فهذا كَذِب، بل العَقْل يدُلّ على أنَّه سبحانه وتعالى لم يزَلْ ولا يَزَالُ فعَّالًا لِمَا يُرِيد. {دقيقة}