شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب بر أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر من يندب إكرامه . عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه ) . وعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة فسلم عليه عبد الله بن عمر وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه قال ابن دينار فقلنا له أصلحك الله إنهم الأعراب وهم يرضون باليسير فقال عبد الله بن عمر إن أبا هذا كان ودا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن أبر البر صلة الرجل ود أبيه ) وفي رواية عن ابن دينار عن ابن عمر أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار يتروح عليه إذا مل ركوب الراحلة وعمامة يشد بها رأسه فبينا هو يوما على ذلك الحمار إذ مر به أعرابي فقال ألست فلان بن فلان ؟ قال بلى فأعطاه الحمار فقال اركب هذا وأعطاه العمامة وقال اشدد بها رأسك فقال له بعض أصحابه غفر الله لك أعطيت هذا الأعرابي حمارا كنت تروح عليه وعمامة كنت تشد بها رأسك ؟ فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه ) بعد أن يولى وإن أباه كان صديقا لعمر رضي الله عنه روى هذه الروايات كلها مسلم ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
لما ذكر المؤلف -رحمه الله- أحكام بر الوالدين وصلة الأرحام ذكر أيضاً حكام صلة من يصل الوالدين والأرحام، وذلك للعلاقة التي بينهم وبين أقاربه، أو بينهم وبين والديه، ثم ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما وهي قصة غريبة : كان ابن عمر رضي الله عنه إذا خرج إلى مكة حاجاً يكون معه حمار يتروَّح عليه إذا ملَّ الركوب على الراحلة : أي البعير ، فيستريح على هذا الحمار ثم يركب الراحلة.
وفي يوم من الأيام لقيه أعرابي فسأله ابن عمر: أنت فلان ابن فلان؟ قال: نعم، فنزل عن الحمار، وقال: خُذ هذا اركب عليه، وأعطاه عمامة كان قد شد بها رأسه، وقال لهذا الأعرابي: اشدُد رأسك بهذا.
فقيل له: -أي لعبد الله- : أصلحك الله أو غفر الله لك! إنهم لَأعراب، والأعراب يرضون بدون ذلك، يعني: كيف تنزل أنت من الحمار وتمشي على قدميك، وتعطيه عمامتك التي تشد بها رأسك، وهو أعرابي يرضى بأقل من ذلك، فقال إني سمعت الني صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنَّ أبرَ البر أن يصل الرجل أهل وُد أبيه ) : يعني أبر البر أنه إذا مات أبوك أو أمك أو أحد من أقاربه نعم ، فإنك تبر أهل وده، يعني ليس صديقه فقط بل حتى أقارب صديقه.
وإن أبا هذا كان صديقاً لعمر، لعمر بن الخطاب، صديقاً لأبيه فأكرمه براً بأبيه عمر رضي الله عنه.
وفي هذا الحديث دليل على امتثال الصحابة، ورغبتهم في الخير ومسارعتهم إليه، لأن ابن عمر استفاد من هذا الحديث فائدة عظيمة، أنه يفعل هذا الإكرام بهذا الأعرابي من أجل أن أباه كان صديقاً لعمر، فما ظنك لو رأى الرجل الذي كان صديقاً لعمر؟ لأكرمه أكثر وأكثر.
فيستفاد من هذا الحديث أنه إذا كان لأبيك أو أمك أحد بينهم وبينه ود فأكرمه، مثلاً إذا كان في نساء صديقات لأمك، فأكرمهم أكرم هؤلاء النسوة، إذا كان رجال أصدقاء لأبيك، أكرم هؤلاء الرجال، فإن هذا من البر، هذا من البر.
وفيه أيضاً في هذا الحديث :
فيه سعة رحمة الله عز وجل، في هذا الحديث سعة رحمة الله، أن البر بابه واسع لا يختص بالوالد والأم فقط، بل حتى أصدقاء الوالد وأصدقاء الأم، إذا أحسنت إليهم فإنما بررت والديك، فتثاب ثواب البار بوالديه.
وهذه مِن نعمة الله عز وجل، أن وسع لعباده أبواب الخير وكثرها لهم، حتى يلجوا فيها من كل جانب، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من البررة، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.