تفسير قوله تعالى : (( إن الصفا والمروة من شعآئر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما )) وذكر سبب نزول هذه الآية حفظ
(( إن الصفا والمروة من شعائر الله )) الصفا والمروة جبلان معروفان، يقال للصفاء جبل أبي قبيس ، وللثانيقعيقعان، وهما شرقي الكعبة، وقد كانت أم اسماعيل رضي الله عنها تصعد عليهما لتتحسس هل حولها أحدوذلك بعد أن نفد منهاالتمر والماء وجاء وتقلص لبنها فجاع ابنها.وقوله تعالى: ((إن الصفا والمروة من شعائر الله)) من هذه للتبعيض، يعني بعض شعائر الله، والشعائر جمع الشعيرة، وهي التي تكون علما في الدين، يعني من معالم الدين،((من شعائر الله)) أي من معالم دينه، لأن العبادات منها خفية بينها وبين ربه، ومنها أشياء تكون علما، علما ظاهرا بينا، وهي الشعائر، وقوله تعالى: ((من شعائر الله))ليس المراد أن نفس الجبل من الشعائر، بل المراد الطواف بهما من الشعائر، ولهذا قال: ((فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما)) وقوله: ((إن الصفا والمروة من شعائر الله))أضيفت ((شعائر الله)) لأنه هو شرعها، وأثبتها وجعلها طريقا موصلا إليه ((فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما )) حج في اللغة بمعنى قصد، و((البيت)) أل للعهد الذهني، والمراد به بيت الله وهو الكعبة، وقصد البيت، حج البيت قصده لأداء المناسك وليس قصدا مطلقا بل القصد لأداء المناسك ((فمن حج البيت)).وقوله: ((أو اعتمر)) العمرة في اللغة الزيارة، أو اعتمر العمرة الزيارة والمراد بها زيارة البيت لأداء مناسك العمرة، وقوله: ((من حج البيت أو اعتمر))((أو)) هنا للتنويع، لأن قاصد البيت إما أن يكون حاجا وإما أن يكون معتمرا.وقوله: ((فلا جناح عليه أن يطوف بهما)) إعراب ((لا جناح)) لا نافية للجنس، وجناح اسمها، وخبرها أن وما دخلت عليه، أي لا جناح عليه في الطواف بهما، أو في التطوف بهما في التطوف، وقوله: ((فلا جناح)) الجناح هو الإثم، يعني فلا إثم عليه في أن يتطوف بهما، وقوله: ((أن يطوف أصلها )) يتطوف، ولكنه غلبت التاء طاء لعلة تصريفية فصار أن يطوف، وقوله: ((بهما)) المراد بينهما كما تفسره سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وليس المراد أن يطوف بهما يدور عليهما كما يطوف بالبيت العتيق، فإن هذا قطعا لا يراد لأنه شيء غير ممكن والسنة تفسر القرآن، وقوله: ((فلا جناح عليه أن يطوف بهما)).قد يبدوا في الآية شيء من التعارض، فإنه قال:((من شعائر الله)) ثم قال: ((فلا جناح عليه أن يطوف بهما)) ومعلوم أنه إذا كان الصفا والمروة من شعائر الله فإنه لا يقتصر على أن الجناح في الطواف بهما، بل إنما يؤمر بالطواف بهما مادام ذلك من شعائر الله، لقوله تعالى: ((ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)) ولهذا أشكل على بعض التابعين هذه المسألة وسأل عنها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كيف قال الله: ((فلا جناح أن يطوف بهما)) ؟ فسأل السائل قال: أرى أن الرجل لو حج أو اعتمر فلم يطف بهما فليس عليه من بأس، ولكن عائشة رضي الله عنها ردت عليه وقالت: لو كان هو المراد لكان يقول الله عزوجل: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، فلا جناح عليه أن لا يطوف، وصدقت رضي الله عنها، لأنها إذا كانت من شعائر الله فمقتضى كونها من شعائر أن نطاف بها وتعظم، ولو كان ترك الطواف بهما جائزا لقال: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، ثم بينت رضي الله عنها السبب لأن الله قال: ((فلا جناح عليه أن يطوف)) وهو أن أناسا من الأنصار يهلون لمناة، الطاغية، مناة التي ذكرها في القرآن، وهي في المشللـ مكان قرب مكة ـ، فيهلون لها فكانوا يتحرجون بالطواف للصفا والمروة وقد أهلوا لمناة، فأنزل الله هذه الآية: ((فلا جناح عليه أن يطوف بهما)) وعلى هذا فيكون النفيلدفع ما وقع في نفوسهم من التحرج، وليس لبيان أصل الحكم، أفهمتم الآن؟ وعلى هذافلا يكون في الآية أولها وآخرها شيء من التضارب أو التعارض، لأن المراد بالنفي هنا أيش؟ نفي ما وقع في نفوسهم من التحرج، فبين الله تعالى أنه ليس هناك تحرج لأنها من شعائر الله، وقوله: ((فلا جناح عليه أن يطوف بهما)) قلنا معنى يطوف بهما أي بينهما، لأن الطواف في الأصل بمعنى التردد، ومنه قول رسول الله عليه وسلم في الهرة:(إنها من الطوافين عليكم). وقوله: ((ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم)).طيب فيه أيضا سبب آخر لتحرج الناس من الطواف بهم وهو أنهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية، يطوفون بهم فذكر الله، ويطوفون بالبيت أيضا فذكر الله الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بالصفا والمروة، فقالوا لو كان ذلك جائزا لذكره الله عزوجل ولكنه من أعمال الجاهلية فلا نطوفه، فاهمين هذا السبب؟ يقولون إن هذا من أعمال الجاهلية، والطواف بالبيت أيضا معروف من قبل، فذكر الله بالبيت ولم يذكر الطواف بالصفا والمروة فهذا دليل على أنه ليس بمشروع لأنه من أعمال الجاهلية فلا نطوف، فأنزل الله هذه الآية. وفيه أيضا سبب ثالث وهو أنه يقال إنه كان فيهما صنمان إساف ونائلة، وقيل: إنهما كانا رجلا وامرأة زنيا في جوف الكعبة ـ والعياذ بالله ـ فمسخهما الله الحجارة فكان من جهل العرب قالوا هؤلاء مسخوا حجارة إذا لابد هناك سر وسبب، أخرجوهما عن الكعبة وخلوهما على الجبلين ونبدأ نطوفهم ونمسحهم، نمسحهما نعم؟ وعلى هذا يقول أبو طالب:
وحيث ينيخالأشعرونركابهم بمفضى السيول من إساف ونائل .
يريد هذا، ومفضى السيول مجرى الوادي المعروفة الذي يكون بين صفا والمروة، فالحاصل أنه هذا ثلاثة أسباب في نزول الآية وأصحها السبب الأول.
السائل :ما صحيح الأوسط؟
الشيخ :لا الأول ثابت في صحيح البخاري.